البراء جرجنازي الأوسمة
وسام الأدارة عدد المساهمات : 1910 نقاط : 5528 تاريخ التسجيل : 01/10/2010 العمر : 22 الموقع : حلب
| موضوع: رواية الطائرة المفقودة 5 الإثنين يوليو 18, 2011 3:28 pm | |
|
في قاعة الاستقبال في فندق سان لويس في كازابلانكا جلست ثلاث سيدات كل منهن منهمكة بشأن يخصها . فالأمريكيه مسز كالفين بيكر جالسه إلى مكتب صغير مقبله على تسطير بعض الرسائل . والإنجليزيه مس هيذرنجتون متراخيه في مقعد ضخم وبين يديها إبرة التيركو تطرز جاكته من الصوف من النوع الذي تألف السيدات الانجليزيات ارتداءه. اما الفرنسية مدموازيل جين ماريكو فكانت تجلس بجانب إحدى النوافذ تنظر إلى الخارج وهي تتثاءب من حين لآخر او تدير بصرها إلى المرأتين بضيق وملل .. وكانت مسز هيذرنجتون ومسز بيكر قد امضيتا بضع ليال تحت سقف فندق سان لويس فتم بينهما التعارف، وذلك ان مسز كالفين بيكر بسجيتها الأمريكية المتآلفه كانت لا تفتأ تتحدث إلى اي انسان بسماحة وانطلاق. وبرز في مدخل القاعه فرنسي تبدو عليه سمة رجال الأعمال ، ثم ارتد عنها راجعا حين رآها تكاد تبدو خالية وقد ألقى على جين ماريكو نظرة اسف . فأخذت مس هيذرنجتون تعد الغرز التي طرزتها ، ثم همست تخاطب نفسها : - والآن ماهو نوع الغرزة التاليه ؟! ووصلت امرأة اخرى ، طويلة القامة حمراء الشعر فأطلت على الغرفه وبدا عليها التردد قليلا ثم استدارت تسير في الممشى إلى قاعة الطعام . فانتبهت مسز كالفين ومس هيذرنجتون مما كانتا فيه ودارت مسز بيكر حول المكتب الذي تجلس إليه وهمست في صوت به رنة من الانفعال : - أرأيت يا مس هيذرنجتون هذه المرأه ذات الشعر الأحمر التي أطلت على الغرفة ثم انصرفت ؟ انهم يقولون انها الوحيدة التي نجت من كارثة الطائره التي سقطت في الاسبوع الماضي . - لقد شاهدتها تأتي بعد ظهر اليوم إلى الفندق في عربة الإسعاف . - لقد اخبرني المدير أنها وصلت من المستشفى رأسا. ترى هل من الحكمة ان تخرج من المستشفى بمثل هذه السرعه وهي التي كانت مصابة بارتجاج في المخ؟! - إن ببعض أجزاء وجهها شريطا لاصقا من أثر إصابتها بالزجاج المهشم فيما اظن . إنها لمحظوظه إن نجت من الحريق. فقالت مسز كالفين : - يالها من مسكينه عانت الأهوال. ترى هل كان زوجها معها ؟ وهل لقي حتفه ام نجا من الموت ؟! - لا أظن فقد ورد في الصحف انه لم ينج من ركاب الطائره الا امرأه واحده دون أن يشيروا إلى أن زوجها كان بصحبتها . - هذا صحيح ، وقالوا أنها تدعى مسز بيفرلي. كلا كلا ، بل مسز بيترتون.. نعم هذا هو اسمها . فقالت مس هيذرنجتون وهي تفكر متأمله : - بيترتون ؟ آه هذا يذكرني بما قرأته عنه في الصحف ، نعم إني متأكده من ان هذا هو اسمه. وقالت الآنسة ماريكو تخاطب نفسها بالفرنسيه : - ألا تباً لبيير ! إنه لا يحتمل ولا يطاق ! لكن الصغير جولز لطيف والأب ذو مركز مرموق ، فليكن ! لقد اتخذت قراري. وفي خطى رشيقه متأنقه غادرت مدموازيل ماريكو قاعة الاستقبال. ***** بعد ظهيرة ذلك اليوم الذي ماتت فيه مسز بيترتون ، وكانت قد مرت خمسة ايام على كارثة الطائره ، خرجت مسز توماس بيترتون المزعومه من المستشفى مستقله إحدى سيارات الإسعاف إلى فندق سان لويس وهي تبدو شاحبة الوجه عليله ، تبدو على وجهها الضمادات والأربطة والشريط اللاصق. واتصلت هيلاري باستعلامات الفندق وسألت عما اذا كانت هناك رسائل باسمها فأجيبت بالنفي . كان عليها وهي تنتحل شخصية اوليف بيترتون ان تتصرف بحرص وحذر وأن لا تقدم على اية خطوه إلا بعد تأن ورويه. إن من المحتمل ان تكون اوليف بيترتون قد تلقت تعليمات بأن تتصل بتليفون معين او شخص معين في كازابلانكا فأنى لها ان تهتدي إلى ذلك؟! إن كل مالديها لا يعدو جواز سفر اوليف بيترتون وخطابها الخاص بالاعتماد المالي، ودفتر تذاكر السفر الصادر من شركة كوك السياحية، وإخطارات الحجز بالفنادق ، وهذه عباره عن يومين في كازابلانكا وستة ايام في فزان ، وخمسة ايام في مراكش. وطبعا انقضت هذه الايام وفات موعدها بسبب حادث الطائره لكن لا بد ان هناك من سيجددها مرة اخرى فعليها ان تنتظر وتترقب . أما خطاب الضمان المالي وجواز السفر ، فقد تولى امرهما مستر جيسوب فذيل الخطاب بتوقيع مزور لأوليف بيترتون ونزعت من الجواز صورة اوليف وحلت محلها صورة هيلاري كرافن . وهكذا استقر الأمر لهيلاري كرافن وعليها ان تؤدي دورها باطمئنان، وإذا ألفت نفسها موشكه ان تنزلق إلى مأزق فليس اسهل من ان تتشبث بطوق النجاة فتزعم أنها فقدت ذاكرتها أو بعض ذاكرتها نتيجة لإصابتها بارتجاج في المخ. ولاذت هيلاري بغرفتها اربعة ساعات كامله إذ المفروض لمن كان في مثل حالتها لم يغادر المستشفى إلا منذ لحظات أن يتريح ويستجم . ولكنها خلال هذه الساعات جعلت تستعيد إلى ذهنها كل ما لقنته عن حياة أوليف بيترتون من دقائق وتفصيلات حتى لا تفاجأ بسؤال تعييها الإجابة عليه فتنكشف خدعتها بانتحال شخصية غيرها. واخيرا تجملت قليلا ونزلت إلى قاعة الطعان لتناول العشاء. وما إن تراءت في مدخل القاعة حتى انتهبتها الأنظار من كل صوب وفطنت إلى همسات خافته ترددت في أرجاء القاعه ،بل قد تبادرت إلى سمعها بعض العبارات ترددها الحاضرات واتت إمرأه قصيرة القامه متوسطة العمر تميل إلى البدانه وسحبت مقعدا ادنته منها وأنشأت تكلمها بلهجة امريكيه واضحه: - معذرة إن طرحت عليك سؤالا . ألست انت السيدة التي نجت بمعجزه من كارثة الطائره؟ نحت هيلاري المجلة التي كانت تتصفحها وقالت : - نعم . - ياإلهي ! كانت كارثه رهيبه ! يقال ان ثلاثة فقط هم الذين نجوا من الحادث ، اليس كذلك ؟! - بل اثنان ، فقد مات أحد الثلاثة في المستشفى. - رباه .. إني لم اسمع بهذا بعد يا مس .. يا مسز ... فقالت هيلاري: - مسز بيترتون . - لكن ، اين كان مقعدك عند وقوع الحادث ؟! أعني في مقدمة الطائره ام عند ذيلها؟! وكانت هيلاري قد لقنت الرد على هذا السؤال وهي تتلقى دروس التعليمات التي قد تحتاج إليها في انتحال شخصيتها الجديدة فردت: - بل في المؤخره . - إنهم يقولون إن هذا اسلم مكان في الطائره إذا ماوقع لها حادث .. إني دائما اصر على الجلوس في المؤخره. ونظرت إلى سيدة اخرى متوسطة العمر انجليزية السمات تجلس بالقرب منها ، فقالت تخاطبها : - أسمعت هذا يا مس هيذرنجتون؟! تماما كما كنت اقول لك بالأمس . يجب ان تصممي على الجلوس في مؤخرة الطائرة مهما حاولت المضيفه ان تغريك بالجلوس في المقدمة. فردت هيلاري ببساطه : - ولكن لا بد للبعض ان يجلس في المقدمه . - على اية حال لن اكون انا من هذا البعض. ثم اردفت : - إني ادعى مسز بيكر .. كالفن بيكر .. إني امريكيه الجنسية وقد وصلت لتوي من مونكادور ، أما مس هيذرنجتون فجاءت من طنجه وقد تم التعارف بيننا هنا ... ترى هل تنوين السفر إلى مراكش يا مسز بيترتون؟! فردت هيلاري : - هذا فعلا ما كنت انوي ، ولكن الحادث افسد الترتيبات . - طبعا طبعا .. لكن يجب ألا تفوتك زيارة مراكش .. ألا تقريني على هذا يامس هيذرنجتون؟! فردت مس هيذرنجتون : - ولكن مراكش باهضة التكاليف وقيود تحويل النقد تزيد الأمر صعوبه ومشقة. فأكملت مسز بيكر : - إن فندق ( المأمون ) من الفنادق الفاخره ، فيمكنك ان تنزلي فيه . فانبرت مس هيذرنجتون تقول معترضه: - لكن اسعاره مرتفعه لا تحتمل ولا يمكن ان يخطر لي ان انزل فيه اما انت يا مسز بيكر فالأمر بالنسبة إليك يختلف إذ لا قيود عليكم معشر الأمريكيين في تحويل ما تشاؤون من الدولارات. فتابعت مسز بيكر متسائله: - وهل تنوين يا مسز بيترتون زيارة بلاد اخرى؟! - في نيتي زيارة فزان ، ولكن لا بد طبعا ان اجدد الحجز في الفندق. - طبعا فزيارة فزان او الرباط ينبغي ان لا تفوتك. - وهل سبق لك زيارتهما؟! - ليس بعد ، ولكني ذاهبه إليها قريبا وكذلك مس هيذرنجتون. وقالت مس هيذرنجتون: - اعتقد ان الحي القديم لا يزال على حاله لم تفسده المدينه. واستمر الحديث على هذا النحو برهة من الوقت ، ثم استأذنت هيلاري في الانصراف متذرعة بالتعب ، إذ كان هذا هو اول يوم غادرت فيه المستشفى ، وصعدت إلى مخدعها . ترى، هل كانت هذه الاسئلة التي وجهتها إليها مسز بيكر مجرد حديث عابر ام استجوابا مقصودا له هدف مبيت؟! ومهما يكن فقد قررت هيلاري كرافن ان تمضي في اليوم الثاني الى شركة كوك وتجدد الحجز في فزان والرباط ، وذلك مالم يتصل بها اخد العملاء ليلقي إليها بتعليمات اخرى . وفي اليوم التالي لم تتلق أي خطاب او رسالة تليفونيه وما شارفت الساعه على الحادية عشرة حتى كانت في مكتب السياحه متخذة مكانها في الطابور الطويل المصطف امام الشباك . واخيرا ، حان دورها وبدأت تحدث كاتب الحجز عما تبغي ، ولكن رئيسه بادر إليها من وراء مكتبه قائلا: - دعيني اولا اهنئك على نجاتك يا مسز بيترتون . اما عن الحجز فقد نفذت فعلا تعليماتك التليفونيه ، وهاهي التذاكر جاهزه. تسارعت نبضات قلبها .. إنها لم تتصل بشركة كوك ولم تعهد إلى احد بالاتصال بها . إذن فالترتيبات الخاصة بسفر مسز اوليف بيترتون إنما تنظم بمعرفة شخص آخر مجهول . وقالت : - لقد اتيت بنفسي لأني خشيت ان يكونوا قد اغفلوا الاتصال بكم. وفي صباح اليوم التالي كانت مسز هيلاري كرافن في طريقها إلى فزان والتتمة في الفصل القادم تابعوها
| |
|