البراء جرجنازي الأوسمة
وسام الأدارة عدد المساهمات : 1910 نقاط : 5528 تاريخ التسجيل : 01/10/2010 العمر : 22 الموقع : حلب
| موضوع: رواية الطائرة المفقودة 16 الإثنين يوليو 18, 2011 3:23 pm | |
| اخذت السيارات تهدر وهي تزحف على مهل .. ترتقي التل في طريقها إلى مستعمرة الجذام .. وامام الباب الحديدي توقف الركب ..
كانت اربع سيارات وفي الاولى منها احد الوزراء وبجانبه سفير امريكا في باريس .. وفي الثانيه قنصل انجلترا في مراكش .. واحد اعضاء البرلمان الفرنسي ومدير شرطة باريس .. اما السياره الثالثه فكانت تضم عضوا سابقا في اللجنه الملكيه ورئيسا سابقا في المحكمه العليا مع اثنين من رجال الصحافه ذائعي الصيت . على حين كانت السياره الرابعه تقل اثنين من اشهر رجال المخابرات ومعهما المفتشان ليبلان وجيسوب ..
اسرع السائقون يفتحون ابواب السيارات .. ونزلت منها هذه النخبه الممتازه من الزوار ..
وغمغم الوزير في صوت خافت : - ارجو ان تكون جميع الاحتياطات قد اتخذت تجنبا للعدوى ..
فأجابه المفتش ليبلان : - كن مطمئنا يا سيدي الوزير ..
لقد اتخذت جميع الاحتياطات كما اننا لن نقترب منهم بل سنراهم على ابعد وهم وراء الاسلاك الشائكه ..
بدا الارتياح على وجه الوزير وقال السفير الامريكي شيئا عن طرق الوقايه الآمنه وكيفية الحيلوله دون تسرب العدوى باتباع الأساليب الطبيه الحديثه ..
فتحت البوابه الضخمه على مصراعيها .. وفي مدخلها كان نفر من موظفي المستعمره في انتظار الضيوف للترحيب بهم وعلى رأسهم مدير المستعمره ونائب المدير واثنان من الأطباء ..
وبعد تبادل التحيات قال الوزير : - ارجو ان يكون عزيزي السيد اريستيد قد بر بوعده ... فلم يعقه شيء عن الحضور ..
فأجابه نائب المدير : - لقد طار السيد اريستيد بالأمس قادما من اسبانيا وهو ينتظركم في مكتبه يا سيدي الوزير .. فهلا تفضلتم بمرافقتي؟
تقدم نائب المدير الركب والجميع في اعقابه ..
استدار الوزير ببصره إلى اليمين ورأى المجذومين يغدون وراء القضبان المزودة بالأسلاك الشائكه وهم يحدقون إلى الضيوف كأنهم حيوانات حبيسه .. فسرى الاطمئنان إلى قلبه .. إذ كانت فكرته عن داء الجذام هي نفس العقيدة المرعبه التي سادت في القرون الوسطى ..
وكان السيد اريستيد في انتظار ضيوفه في مكتبه الفخم الفاخر الرياش ..
رحب بزائريه في حراره وابدى اغتباطه بزيارتهم لتفقد المستشفى ومعامل الابحاث .. والاطلاع على احدث الاكتشافات التي وصل إليها الباحثون في ميدان العلاج .. ثم امر بتقديم مختلف المشروبات إلى ضيوفه .. وقال احد الصحفيين المرافقين للبعثه : - الحق انه عمل رائع يا سيد اريستيد هذا الذي تقومون به هنا ..
فأومأ اريستيد برأسه وقال : - يا سيدي إنني فخور بهذا المكان .. إنه هديتي إلى الانسانيه وما بخلت يوما على الابحاث التي تجرى هنا بأي قدر من المال ..
قال احد الاطباء في حماس وانفعال : - إن هذا المركز العلمي هو اقصى ما يطمح إليه العلماء .. فهو مزود بأحدث الاجهزه العلميه .. ومن حسن الحظ اننا استطعنا ان نتوصل إلى نتائج باهره ..
فقال اريستيد في نبرة المسيحي المؤمن : - كان من توفيق الله لي ورضائه عني ان احرزنا شيئا من النجاح ..
ومال عضو البرلمان على اذن رئيس المحكمه العليا السابق وقال هامسا : - هذا العجوز المنافق يتظاهر بالتقوى والورع .. والله يعلم عدد البيوت التي خربها بمضارباته .. إنه يستنزف دم الناس بإحدى يديه ويحسن باليد الأخرى ..
وقال القاضي القديم مغمغما :
- إن اعظم الاكتشافات العلميه دون حاجة إلى مثل هذا البذخ والإسراف ..
قال اريستيد وقد فرغوا من تناول المشروبات : - إنه ليسعدني ايها السادة ان تتناولوا الطعام معنا .. وسينوب الدكتور فان هايديم عني في الترحيب بكم .. فإنني اتبع نظاما غذائيا يحول دوني ومشاطرتكم الطعام على ما تشاؤون .. وان توجهوا إلى الدكتور فان هايديم مايطيب لكم من الاسئله ..
صحب الطبيب ضيوفه إلى قاعة الطعام .. وكانت الوان الطعام شهيه وفاخره وابدى الوزير ثناءه وتقديره .. وقال الدكتور فان هايديم : - اننا نولي الطعام عنايه كبيره حتى لا يشعر احد علمائنا او مرضانا بأي نقص .. فالفاكهة والخضر تصل إلينا بالطائره مرتين في الاسبوع .. ولدينا ترتيب خاص بالنسبة إلى الدواجن واللحوم .. كما ان لدينا ثلاجات ضخمه نحتفظ فيها بالمؤونه ..
قدم مع الطعام مشروبات من افخر الانواع ثم قدمت القهوه التركيه في النهايه .. وبعد ذلك بدأت البعثه تتفقد المركز العالمي واستغرقت الزياره اكثر من ساعتين .. وكان الدكتور فان هايديم بادي الاستعداد دائما للإجابه عن اي سؤال وشرح كل مايستغلق على الضيوف ...
كان الوزير في اثناء الجوله في دهاليز المستشفى وقاعاتها يتقدم الموكب .. وبجانبه المضيف فان هايديم .. يتبعهم الاخرون .. على حين تعمد جيسوب وليبلان ان يتخلفا في الوراء وان يسيرا في نهاية الموكب ..
اخرج جيسوب من جيب صداره ساعه ضخمه تطلع إليها ثم هز رأسه صامتا .. وقال له ليبلان: - هل وجدت شيئا ؟ هل من علامة على الاطلاق؟ هز جيسوب رأسه نفيا واعاد الساعة إلى جيبه .. ومن حين لآخر كان جيسوب يتطلع إلى ساعته وليبلان يوجه إليه نفس السؤال : " اما من علامه ؟ ويأتيه نفس الرد : لا شيء .. لا اثر يدل على وجودهم هنا ...
وقال جيسوب : لا شك في انهم نقلوهم إلى مكان بعيد منعزل .. حتى لا نلتقي بهم في اثناء جولتنا ..
فتساءل ليبلان : - اذن فكيف نحصل على الدليل؟ اننا دون دليل سنجد انفسنا عاجزين عن اتخاذ اي اجراء .. إنك ترى انهم جميعا مبهورون بما يشاهدون .. الوزير والسفير الامريكي والقنصل البريطاني .. إنهم جميعا مؤمنون بأن اريستيد رجل عظيم وفوق الشبهات ..
فقال جيسوب باقتضاب :
- قبل ان نغادر المركز سيكون لدينا الدليل المنشود ...
فهز ليبلان كتفيه وقال : - إنك يا صديقي رجل شديد التفاؤل ...
فأجاب جيسوب : - هل تعلم سر الساعة التي احملها ولا افتأ اتطلع إليها ؟ انها احدث الاختراعات العلميه يا عزيزي ليبلان .. إنها ليست ساعه عاديه .. وإنما تضم في داخلها جهاز استقبال دقيق الحجم يتلقى إشارات لا سلكيه من جهاز اخر مداه مائة متر .. ومازلت اتوقع ان اتلقى هذه الذبذبه اللاسلكيه من زميل موجود داخل هذا المبنى .. إلا إذا كان يبعد عنا اكثر من مائة متر .. إذ يستحيل ان تمتد الذبذبه إلى اكثر من هذه المسافه ...
- إذن فهذا هو الدليل الذي تترقبه ؟ - تماما ولم افقد الامل حتى الان ..
فقال ليبلان : - ولكن الوزير لن يأخذ بهذا الدليل .. إنه يريد دليلا قاطعا .. لا ذبذبه في الهواء .. إنه يريد ان يرى امامه شخصا حيا .. يقول له إنه كان محبوسا في هذا المركز وانهم احتجزوه هنا .. - سوف اقدم إليه هذا الشخص الحي ..
ثم مالبث ان اردف : - ومع ذلك فإنني لا اعتمد في إثبات نظريتي على الوزير او السفير او عضو البرلمان .. فإن لرجال السياسه حساسية خاصه .. يشعرون معها بالحرج لأي تصرف يبدر منهم ..
- وعلى ماذا تعتمد إذن ؟ - على رجل عجوز محدودب الظهر ثقيل السمع .. ضعيف البصر .. فضحك ليبلان وقال: - اه لعلك تقصد رئيس المحكمه العليا السابق .. - تماما .. إنه رجل عرك الحياة وعركته .. ولطول عهده بالقضاء اصبح له انف حساس يتشمم بسهوله اي رائحه عفنه . واذا استراب في امر فلن يقعده شيء عن متابعته وتعريته والكشف عنه .. إنه رجل علمه منصبه ان ينصت وان يتابع الإنصات حتى يقع على الدليل .. هذا الرجل الذي سيؤازرني في موقفي ضد اريستيد ... | |
|