منتديات براء أونلاين
أهلا بك أيها الزائر أو الزائرة في منتديات براء أونلاين

نرجو منكم التسجيل والأنضمام الى موقنا
منتديات براء أونلاين
أهلا بك أيها الزائر أو الزائرة في منتديات براء أونلاين

نرجو منكم التسجيل والأنضمام الى موقنا
منتديات براء أونلاين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات براء أونلاين

 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من ركائز العمل العام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
البراء جرجنازي
الأوسمة
الأوسمة
البراء جرجنازي


الأدارة وسام الأدارة
عدد المساهمات : 1910
نقاط : 5528
تاريخ التسجيل : 01/10/2010
العمر : 21
الموقع : حلب

من ركائز العمل العام Empty
مُساهمةموضوع: من ركائز العمل العام   من ركائز العمل العام I_icon_minitimeالأحد أغسطس 07, 2011 6:08 pm

{وجاء من أقصي المدينة رجلٌ يسعي قال يا قومِ اتبِعُوا المرسلين}.

لقد
كانت لمحة قرآنية رائعة، أن أوردت في سياق قصة أصحاب القرية، هذا الموقف
العظيم، لهذا الرجل المؤمن الذي جاء من أقصي المدينة، أي مكان ليس بالقريب،
وكذلك كان يسعي، أي يسرع في مشيته، وهو ما يبين مدي الجهد الذي بذله
للوصول إلي مسرح الأحداث؛ وهو المكان الذي كان يبتلي فيه الرسل الذين
أرسلهم الحق سبحانه، إلي قومه؛ وهم أصحاب القرية الذين كذّبوا هؤلاء
الدعاة، وعارضوهم، وهددوهم.


وكذلك يبين مدي تفاعله مع قضية هؤلاء الرسل.

لقد
كانت مبادرة منه لم يحدها مكان، ولا زمان، ولا وقت، بل سعي ووصل في الوقت
والمكان المناسبين؛ وعرض رأيه في القضية، وانتصر لهؤلاء الرسل ضد رغبة
قومه.


وهو
نفس الموقف الذي أورده القرآن الكريم في سياق قصة موسي (عليه السلام) مع
فرعون وملئه، حول الوقفة العظيمة لمؤمن آل فرعون: {وجاء رجلٌ من أقصي
المدينة يسعي قال يا موسي إن الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من
الناصحين}.


وهي
اللمحة القرآنية التربوية الطيبة التي تهمنا في قضيتنا، أو موضوعنا، في
سياق هاتين القصتين؛ والتي نستشف منها هاتين النقطتين العظيمتين:


- النقطة الأولي:
أن هؤلاء الدعاة الربانيين، سواء الرسل الذين أرسلهم الحق سبحانه إلي
أصحاب القرية، أو موسي (عليه السلام) قد نجحوا في عرض قضيتهم، فاستعصت علي
محاولات التحجيم والتغييب، وكسرت طوق التعتيم، والتجهيل، والعزل، واتسعت
دائرتها، وأصبحت حديث الشارع، حتي وصلت إلي أقصي مكان بالمدينة.


- النقطة الثانية:
أن هؤلاء الدعاة كان من جوانب نجاحهم؛ هو حسن تقديم قضيتهم، وعدالتها، مما
جعل رجل الشارع أن يتحرك، حتي ولو كان فردًا، وفردًا واحدًا، متفاعلاً مع
قضيتهم.


بل ويتحمل خطورة عرض دفاعه ورأيه، حتي ولو أدي ذلك إلي استشهاده في سبيل موقفه المناصر.

وهي القضية التي ننظر إليها بمنظار آخر؛ ألا وهو أهمية وجود الرأي العام المناصر للفكرة، والمؤيد للداعية.

وكذلك خطورة دور الرأي العام المناصر، في كل قضية، حتي وإن تواضع عدده.

ولو تدبرت التجارب الدعوية التي عرضها القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة، لوجدت أمرين مهمين بارزين:

- الأمر الأول: مدي حرص الرسل والدعاة، علي توصيل فكرتهم ودعوتهم إلي جماهير الشارع، بكل الوسائل.

- الأمر الثاني:
مدي حرص أعداء الدعوة علي كل عمل مضاد؛ يواجه هذه العدوي الدعوية، ويؤدي
إلي عملية عزل الدعوة عن الناس، وتحجيم الدعاة، بل وإن أدي الأمر إلي
سجنهم، أو نفيهم، أو قتلهم.


وتدبر
كيف أن الحق سبحانه قد ربط بين خيرية هذه الأمة، وبين خروجها إلي الناس،
كل الناس، علي مختلف فئاتهم وأجناسهم، وألوانهم، لتقودهم، إلي خَيرَي
الدنيا والآخرة،؛ أمرًا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، وذلك بعد إعادة صياغتها
عقيديا، لتنطلق من قاعدة إيمانية، ولتكون شهيدة عليهم: {كنتم خَيرَ أُمةٍ
أُخْرِجَتْ للناسِ تأمرون بالمعروفِ وتنهوْن عن المنكرِ وتؤمنون باللهِ}.


فكان سلوكه (صلى الله عليه وسلم) في كل مراحل الدعوة؛ هو الالتزام بجانبين مهمين هم:

(1) تربية قاعدة صلبة تقود التغيير.

(2) الاهتمام بقضية الخروج إلي الناس؛ وذلك من أجل هدف نهائي؛ هو إيجاد قاعدة جماهيرية تناصر الأولي وتحميها.

وكانت
الأعمال المضادة له من قِبَل قريش؛ هي نفسها محاولات كل أعداء الدعوة علي
مر تاريخ الدعوة؛ وهي الوقوف ضد محاولات الخروج إلي الناس، والممثلة في
محاولات القتل والنفي والتعذيب للدعاة، والتغييب والتجهيل والعزل والتعتيم
للدعوة، وذلك فيما وضحته الآيات القرآنية، وسيرته (صلى الله عليه وسلم)
ومنها:


{وإذ يمكُرُ بك الذين كفروا ليثْبِتوكَ أو يقتلوك أو يخْرِجوك}.

وكذلك
حرصهم علي عودة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضوان الله عليهم)
إلي المدينة، وتأجيل العمرة أثناء غزوة الحديبية؛ وذلك حتي لا يحدث
الاحتكاك بينهم وبين أهل مكة.


وتدبر
قصة الغلام والراهب، وكيف أن الغلام كان من الذكاء أنه قَبِل أن يقْتَل،
بشرط مهم جداً غفل عنه الملك؛ وهو أن يخرج إلي الناس؛ وتشهد الجماهير عملية
القتل، حتي تعيش القضية التي من أجلها استشهد.


وتدبر
أيضًا هذا الإعلان الفرعوني: {فأرسلَ فرعونُ في المدائن حاشرين إن هؤلاء
لشرذمةٌ قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميعٌ حاذرون}.


وهو نفسه إعلان قوم لوط: {أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أُناسٌ يتطهرون}.

وفي
تاريخ الدعوة المعاصر، نجد أن من أهم مسوغات إعدام أحد القضاة الدعاة، في
خمسينيات هذا القرن؛ هو تفاعل الجماهير معه، وانصرافهم من إحدي التظاهرات
الضخمة، بمجرد إشارة من يده، بعد أن فشل الجميع في تفريقهم!.


دعامتا التغيير

لهذا
فإنه من بديهيات القول؛ أن ندرك أن عملية التغيير الحضاري، وبعث هذه الأمة
من جديد، وأن الطريق إلي عودة الإسلام؛ هو ضرورة تكوين أمة جديدة؛ تمر
بعملية إعادة صياغة إيمانية؛ فتتربي علي الفكرة الإسلامية، ويترجم الإسلام
في سلوكياتها، وحركة أفرادها في الحياة.


وأن عملية تكوين هذه الأمة الجديدة المنشودة، تقوم علي دعامتين أساسيتين:

الدعامة الأولي؛ هي تكوين جيل مسلم، يتربي تربية خاصة؛ ليكون بمثابة الطليعة الفاعلة، والأداة المحركة، والقوة المنفذة.

الدعامة الثانية: هي تكوين رأي عام إسلامي؛ يناصر الفكرة الإسلامية؛ يحب دعاتها ويكره أعداءها، ويحرص علي انتصارها.

وكذلك
من المسلمات، أن نعلم أن عملية تكوين هاتين الدعامتين، إنما تمر عبر خطين
بارزين متوازيين ومتلازمين وأساسيين؛ وهما ما يجمعان كل وسائل الدعوة علي
وجه الإجمال والتقعيد والتنظيم:


الخط الأول: هو العمل الخاص؛ وميدانه هو داخل المؤسسة الدعوية، وذلك لتربية الجيل التغييري المنشود.

الخط الثاني:
هو العمل العام؛ وميدانه داخل المؤسسة وخارجها، وهو الترجمة العملية لقضية
الخروج إلي الناس؛ وذلك من أجل نشر الفكرة، وإيجاد الرأي العام الإسلامي
المناصر.


العمل العام

وقضيتنا اليوم علي وجه التركيز، هي قضية هذا العمل العام، من حيث ماهيته، ووسائله أو آلياته، وركائزه أو ضوابطه.

ومن ثم يمكننا أن ندرك أهميته وخطورة دوره في عملية تكوين الرأي العام الإسلامي المناصر.

أولاً – ماهيته:

هو كل عمل دعوي يتجه إلي خارج المؤسسة؛ ويخرج إلي الناس؛ إلي رجل الشارع، وجماهير الأمة.

ثانيا – أهدافه:

1- بلوغ مقام الطاعة للحق سبحانه؛ بتنفيذ أوامره (جل وعلا) بنشر دعوته.

2 - اكتساب صفة الخيرية التي وضحها القرآن الكريم.

3- نشر الفكرة، وتكوين الرأي العام المناصر لها.

4- العمل علي تفعيل قضايا معينة، وجعلها قضية أمة، أو مشروع قومي، يجمع فئات الأمة علي مختلف ألوانهم، واتجاهاتهم.

5- توسيع قاعدة الجيل التغييري، أو الطليعة المنشودة.

ثالثًا - آلياته أو وسائله المعروفة:

أ- المحاضرات.

ب- الندوات.

ج- منابر الجمعة.

د- الأنشطة الرياضية.

هـ - الحفلات العامة والمناسبات المختلفة.

و- الاحتكاكات والمعايشة اليومية مع أفراد الأمة.

ز- فعل الخير، وتقديم الخدمات.

ح-
وسائل الآلة الإعلامية المنوعة؛ مثل الشعر والقصة والأقصوصة، والمادة
الأخبارية، والتعليق السياسي، والتحليل الأخباري، والأناشيد الحماسية،
بالإضافة إلي وسائل البث الإعلامي المختلفة؛ من إذاعة وتلفاز وجريدة، ومجلة
وكتاب وتسجيل سمعي وبصري.


رابعًا – أهميته:

لذا فإن للعمل العام دوره الخطير، في مرحلة أسلمة المجتمع؛ فهو:

1 - الترجمة العملية لكسب صفة الخيرية؛ وذلك بالخروج إلي الناس.

2 - وهو الذي يحرك الشارع، ويوحد فئات المجتمع المختلفة حول القضايا المصيرية أو المرحلية الواحدة.

3 - وهو الذي يعَبِّرُ عن نبض الأمة.

فإذا
غاب أو غُيب أدي ذلك إلي عملية عزل بين حركات التغيير الإصلاحية، وبين
جماهير الأمة، فيؤدي ذلك إلي سهولة عمليات إجهاض تلك الحركات؛ وتكون
المحصلة النهائية هي عملية الوأد المُقَنَّعَة لأي حركة تغييرية إصلاحية.


ومن ثم يمكننا أن نقرر أن المسؤولية في عملية العمل العام ودوره في عملية تكوين رأي عام إسلامي هي:

تبعة فردية، ومسؤولية جماعية معاً لا تنفصلان، ولا تغني إحداهما عن الأخري، وهذا ما سنلمحه من الحديث عن ركائز العمل العام.

خامسـًا - ركائز العمل العام:

وهي تلك المعالم أو الأسس والضوابط التي يجب أخذها في الاعتبار عند القيام به، فرديا وجماعيا.

وذلك من أجل الأخذ بالأساليب العصرية، والمعطيات المستحدثة، والمتغيرات المرحلية في عرض القضية.

وهو
من باب الأخذ بالأسباب، كما جاء في هذه اللمحة القرآنية الطيبة، حول سلوك
أحد رواد التمكين في تاريخ الدعوة؛ وهو ذي القرنين، عندما بين الحق سبحانه
أن قاعدتا التمكين، هما:


- القاعدة الأولي - التوفيق الإلهي:

{إنَّا
مَكَّنَّا له في الأرضِ. وآتيناهُ من كلِّ شيءٍ سببًا}، أي أن الحق
(سبحانه) قد وهبه كل الوسائل والطرق التي تحقق له هذا التمكين؛ وهي كل
المظاهر المادية، التي تشمل الأسباب العلمية، والفكرية، والسياسية،
والصناعية، والاقتصادية، والعسكرية.


وهذه هي أولي القواعد المهمة في عملية التمكين؛ وهو التوفيق الإلهي؛ أو دور القدرة الإلهية في هذه العملية التغييرية الحضارية.

- القاعدة الثانية - الدور البشري:

"فأتْبَعَ
سبباً". أي أن ذا القرنين قد أحسن استغلال تلك الأسباب التي وهبها الحق
سبحانه له، بل وطورها، وتفنن في تنميتها، وتطبيقها، وتوظيفها.


وقد ورد هذا الخبر عن ذي القرنين خلال سياق القصة ثلاث مرات، أثناء رحلاته الثلاث إلي المغرب، والمشرق والشمال.

ونستشعر
من هذا أن ذا القرنين قد بلغ الأوج في النضوج العقلي والفكري والعملي،
فكان مثالاً رفيعًا في حسن حمل أمانة التكليف والاستخلاف والإعمار.


ثم نأتي إلي الحديث حول ركائز العمل العام، وهي محاولة متواضعة؛ لبحث ضوابط منهجية في فقه الخروج إلي الناس:

الركيزة الأولي - تحديد القضية المرحلية الواحدة:

وذلك
بإعلان الهدف المرحلي المصيري الواحد؛ وهو تكوين الرأي العام المناصر،
وإعلان حالة التعبئة العامة حوله، وهذا من شأنه أن يثمر الرغبة العارمة عند
كل فرد، بخطورة مرحلية القضية، ومصيريتها، فتصبح شغله الشاغل.


ومن هنا تتوحد الجهود فيثمر الهدف المرجو.

وتدبر
ما ورد في قصة طالوت وجالوت؛ عندما توحد الرأي حول هذه القضية المصيرية:
{إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله}، لقد كانت حالة
التعبئة العامة للأمة، حول قضيتهم المصيرية، من الانضباط والنظام، بحيث دعت
الكبراء لينوبوا عن الجميع، ويتحدثوا باسمهم، فتوجهوا جماعيا إلي نبيهم ـ
وقيل إنه شمويل أو صمويل الذي أتي بعد موسي عليه السلام ـ كمجموعة علي نفس الرأي، وطلبوا منه (عليه السلام) أن يختار لهم عن طريق الوحي قائدًا، يجتمعون حوله.


وهذا
يبين مدي التربية، أو الشدة التي أوصلتهم إلي وحدة في التوجه إلي قائدهم
وزعيمهم، فلم يتفرق شملهم، وكذلك في طلبهم أن يعين عليهم ملكًا واحدًا
يقودهم.


وكانت حالة التعبئة العامة، كذلك من الفهم العميق، بحيث تمثلت في رغبتهم العارمة في الجهاد في سبيله سبحانه، لا في سبيل غايات أخري.

وكم
من مآسي أودت بأمتنا، من جراء عدم الانضباط، ومن جراء الخلل في فقه
الجهاد، ثم من جراء التفرق بين قيادات شتي، وتحت رايات متعددة؛ مما أدي إلي
الفشل المرة تلو المرة في اقتطاف ثمار النصر. حتي راجت مقولة:
(الإسلاميون: بذل وجهد وتضحيات، ولا ثمرة!).


الركيزة الثانية - إشعال روح التحدي:

وذلك
بإيجاد الإرادة الجماعية حول هذه القضية؛ وهي تكوين رأي عام إسلامي مناصر،
وجعلها قضية تحدٍ مصيرية، أو قضية مرحلة، تعبر بالفكرة كل محاولات الحصار
والتغييب.


وهذه
الركيزة يلزمها أن يستشعر كل فرد خطورة قضية المرحلة، وعنف التحدي؛ وهو
محاولات التجفيف لمنابع الدعوة بشريا، واقتصاديا، وثقافيا، وسياسيا،
وإعلاميا، وهي عبارة عن مرحلة قدح الشرارة.


وتدبر
ما ورد في قصة طالوت وجالوت، عندما يحدثنا مطلعها: {ألم تر إلي الملأ من
بني إسرائيل من بعد موسي إذ قالوا لنبي لَهُمُ ابعث لنا مَلِكاً نقاتل في
سبيل الله}، فالعجيب أن تأتي المبادرة إلي العمل والجهاد في سبيل الله،
والتحرك الحماسي الفائر، والدعوة للاستنفار العام، من قبل الملأ؛ ونحن نعلم
أن القرآن يعني بالملأ أنهم أشراف القوم، وقادتهم، ورؤسائهم، وساداتهم،
فهم إذن البارزون في المجتمع، وأصحاب النفوذ فيه.


وهذا
ما يبين أن قضية خطر هؤلاء العمالقة ـ وقيل إنهم الفلسطينيون ـ الذين
غلبوا بني إسرائيل علي أمرهم، قد زاد حتي هدد مصالح هؤلاء الأشراف، فأخرجوا
من ديارهم، وحيل بينهم وبين أبنائهم، وأخيرًا أُخذ التابوت منهم، فانفصمت
عُراهم وذلوا?.


وما
يعنينا في هذا الملمح التربوي، هو أن قضية الجهاد قد أصبحت حديث الشارع،
ولسان حال الأمة، وتم إعلان حالة التعبئة الجهادية العامة، فوصلت الفكرة
إلي كل الطوائف، واتسعت القاعدة المؤمنة بالقضية.


فالتحرك
للجهاد، يجب أن يتميز بضوابط منها: اتساع قاعدة الفكرة، وجماعية التحرك
بها، ثم وحدة التوجه والانقياد لقيادة واحدة؛ لأن الخطوة الأولي في مواجهة
أي عدو هي إرادة القتال، والتصميم عليه، وقد انبعثت هذه الإرادة لدي الملأ،
واستطاعوا أن ينشروا هذه الروح العالية في صفوف أبناء الأمة، لتصبح إرادة
جماعية.


أما في قصة ذي القرنين، فإن أخطر ملمح نراه من خلال جولته الثالثة؛ وهي خطته لبعث تلك الأمة العاجزة من وهدتها.

حيث
جاءت هذه الخطة النهضوية الحضارية بكل معالمها وركائزها، حسب السياق
القرآني المبدع، في آخر جولات ذي القرنين؛ وأطولها في سياق القصة. لتبين
معالم منهجية لورقة عمل يجب أن ترتكز عليها أي حركة تغييرية نهضوية حضارية، لإنقاذ أي أمة تعاني من حالة الاستنقاع، والتردي، والوهن الحضاري.


وأهم ما جاء في هذه الخطة؛ وهي أهم ركيزة؛ هي إشعال روح التحدي.

وذلك
عندما أوجد مشروع مصيري، وقضية تحدٍ قومية، تواجه الخطر الخارجي، ثم أشعل
فيهم روح التحدي:{فأعينوني بقوةٍ أجعلْ بينكم وبينهم رَدْماً}.


وهذا
هو السبيل لتجميع كل فئات وتيارات الأمة، وذلك من شأنه أن يلملم شعث هذه
الأمة المريضة، فتتجمع كل قواها، وتستدعي كل إمكانياتها الذاتية لمواجهة
هذا الخطر الخارجي.


ومن خلال هذه الركيزة تتناسي كل فئات الأمة كل مشاكلها الداخلية، وتضع في أول سلم أولوياتها هذه القضية المصيرية.

لقد
أحسن هذا المجاهد الرباني استغلال هذه القضية القومية، وجعلها مشروع أمة،
وقضية تحدٍ، وذلك لتحريك الجميع من حوله، وطلب مشاركة القوم، وحرك هؤلاء
الكسالي الاتكاليين ليعملوا معه بقوة.


فهو
لن يأتي بالمعجزات، ولكن عندما تتحرك الجموع، ويتوحد الشارع علي قضية
واحدة، ويدورون جميعًا قيادة وأفردًا؛ حول محورٍ واحد، فذلك من شأنه أن
يأتي بما يشبه المعجزات، في عرف التغييرات الاجتماعية.


الركيزة الثالثة - تفعيل الحركة الحوارية مع الآخر:

وذلك بتبني مبدأ حق الآخر في التعبير عن رأيه، وفي الحوار.

وهذا من شأنه أن يمنع الاتجاهات الاستقصائية لرأي الآخر داخل كل التيارات.

وهو ما يسمي بتفعيل أو من باب تنشيط حركة التدافع الفكري!.

فلابد
من حرية الرأي، وحرية الحوار، وذلك لأن العملية الانتقائية للأفكار، تمر
عبر حرية الرأي والحوار، في مرحلة هي أشبه ما تكون بعملية الصراع السلمي
للآراء والأفكار؛ أو هي ببساطة ما نسميها بحركة التدافع الفكري الآرائي؛
وهذه صورة من صور حركة التدافع الحضاري الشاملة، التي جعلها الحق سبحانه من
السنن الإلهية التي تفرز الأصوب والأبقي، والأصلح في كل شيء؛ سواء
أفكارًا، أو آراءًا، أو أفرادًا، أو أممًا، فإذا توقفت تلك العملية
التدافعية الحضارية المختلفة الصور لكان الفساد، وهذا من فضله سبحانه من
أجل ديمومة واستمرارية العملية الاستخلافية الإعمارية في الأرض: {ولولا
دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لفسدت الأرضُ ولكن اللهَ ذو فضلٍ علي
العالمينَ}.


وفي
عصرنا نسمع الكثير عن الندوات والحوارات التي تنظمها مراكز توجيه الفكر،
والتي يقوم عليها رموز علمانية. والواجب أن يحسن أبناء التيار الديني،
استغلال هذه المبادرات؛ لأنهم في حاجة لكسر طوق الحصار علي الأفكار، وتشجيع
الحركة الحوارية، لأنهم الأقدر والأعلي بفكرتهم الربانية، فهي الوحيدة القادرة علي كسب العملية الانتقائية للأفكار تحت ضوء حرية الرأي.


وإجابة مبادرات الحوار، هي العلامة التي تفتح باب الأمل في ترسيخ قضية قبول الآخر.

وتدبر
كيف أن القرآن الكريم قد أشار في غير موضع إلي هذه القضية، في الحوارات
الكثيرة التي تضمنتها آياته الكريمة، وحق الآخر في المناقشة والتعبير عن
رأيه، ويكفينا في هذا المقام مجرد الإشارات السريعة، إلي بعض منابر الحوار.


فتدبر
حوار إبليس اللعين مع الحق سبحانه، ثم في حوار موسي ـ (عليه السلام) مع
السامري ، وحوار الهدهد مع سليمان (عليه السلام)، وحوار أصحاب النار مع
أصحاب الجنة.


وتدبر
هذه الأدبية التي أوردها الإمام محمد ابن إسحاق بن يسار في معرض تفسير
سورة (فصلت)، قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة ـ وكان سيداً ـ قال يومًا، وهو
جالس في نادي قريش ـ ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس في المسجد وحده:
يا معشر قريش ألا أقوم إلي محمد فأكلمه، وأعرض عليه أمورًا، لعله يقبل
بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا?.


وذلك
حين أسلم حمزة (رضي الله عنه) ورأوا أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) يزيدون ويكثرون ـ فقالوا: بلي يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه، فقام
إليه عتبة حتي جلس إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا ابن أخي
إنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنك أتيت قومك
بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم،
وكفرت به من مضي من آبائهم، فاسمع مني، أعرض عليك أمورًا ننظر فيها، لعلك
تقبل منها بعضها، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "قل يا أبا
الوليد أسمع".


وتدبر ما ورد في قصة صاحب الجنتين، كيف بادر الرجل الكافر بالحوار: "فقال لصاحبه وهو يحاوره".

ولقد
قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقبل الرجل المؤمن دعوات الحوار تلك، من
باب أن وجود جسور في العلاقات من شأنها أن تثمر الحركة الحوارية بين
التيارات.


لأن
حرية الرأي يعتبر الركيزة التي تنشط حركة تمحيص الأفكار وتنقيها، فتمر في
عملية انتقائية، تفرز أصوب وأصلح، وأشمل الآراء، وأكثرها واقعية وقبولاً من
رجل الشارع العادي.


وحينما
تتاح حرية الرأي في مستوي الإعلان والحجاج، فإن العقل ينفتح علي الرأي
المخالف، والمعطيات المضادة، وتتم في نطاق الحوار المقابلة بين الآراء،
فيسقط الضعيف، ويصح القوي.


أما
الكبت والمنع من التعبير والمحاورة، فلا يثمر إلا الانغلاق علي الرأي
الواحد، والتشبث به، والتعصب له، فلا يكون العقل ناظرًا إلي الأمور إلا من
زاوية واحدة قد تُخطئه الحقيقة أحيانًا كثيرة، ولا غرو حينئذ أن ينمو
التعصب للآراء والتشبث الأعمي بها في كل مناخ تُصادر فيه حرية التعبير، وأن
تنمو المرونة العقلية، وتقبل التصويب في كل مناخ تشيع فيه هذه الحرية.


وما
أروع التربية النبوية في هذا الخصوص، فقد انتهجت نهج الانفتاح علي مضادات
الآراء، بما أتاحته من حرية القول، والاحتجاج، والنقد، وقد اتخذ النبي (صلى
الله عليه وسلم) شعارًا له: "أشيروا علي أيها الناس"


وحتي
لو شعرنا أن الكافر قد فتح باب الحوار، من باب التشفي في صاحبه، ولكننا
رأينا فيما بعد كيف أن المؤمن، وبذكاء عجيب وثقة، ومن باب (لست بالخب،
والخب لا يخدعني)؛ قد قلب المائدة عليه، وعلي أفكاره في أدب وحجة بالغة،
وكسب جولة تصويب الأفكار.


وحرية
الرأي، أو حرية الحوار، إنما تدل علي صحة المناخ الاجتماعي السائد، وهو
الدعامة التي تصنع الأحرار، وتعمل علي تفعيل وتنشيط عوامل الوحدة الفكرية
عند الأمة.


وحرية
الرأي، سواء علي المستوي الخارجي، أو علي المستوي الداخلي؛ هي قضية يجب أن
تؤخذ بجدية داخل أي مؤسسة دعوية كانت أو أسرية؛ تحاول المشاركة في المشروع
الحضاري المنشود؛ الذي من أهدافه وثوابته؛ هي محاولة تنقية العقلية
المسلمة من آثار المناخات الاستبدادية؛ وهي الأمراض الفكرية، التي تكاثرت
جراثيمها في أروقة العقليات المكبوتة، فأثمرت: عقلية العوام، وطبيعة
القطيع، ونفسية العبيد.


الركيزة الرابعة - تشجيع عمليات التجسير:

وهي المبادرات التي تتبني صنع جسور مع الآخر، ومع التيارات المختلفة.

وذلك من أجل التقارب، أو التعاون في القضايا المصيرية، والأخطار المشتركة؛ كما في التحالفات المرحلية بين القوي.

وتدبر
كيف كان من أسباب وعوامل تشجيع وتنشيط، بل وتفعيل الحركة الحوارية بين
التيارين اللاديني والديني؛ والممثلين بالرجلين الكافر والمؤمن، في قصة
صاحب الجنتين؛ هو العلاقة السابقة، أو الأرضية التي نشأت عليها صحبتهما.


وتأمل
مغزي تلك العبارة: {فقال لصاحبه}، وذلك بعد أن ندرك أن معني الصاحب هو
"الملازم إنسانًا كان، أو حيوانًا، أو مكانًا، أو زمانًا. ولا فرق بين أن
تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة، ولا يقال في
العرف صاحب إلا لمن كثرت ملازمته.


إذن فهناك بين الرجلين، ـ وعلي الرغم من خلافهما الفكري ـ علاقة مصاحبة وملازمة، وهي التي ساعدت علي عملية الحوار وحرية الرأي.

وتدبر
كيف أن هذه المبادرة في تجسير العلاقات، في مناخ يسمح بحرية التنفس
الفكري، قد أثمرت هذه الخلخلة في صف قريش، مما تسبب في فتح الطريق أمام
العقلاء والمعتدلين منهم، مثل عتبة بن ربيعة، والذي اعتزل قريش، بعد سماعه
للفكرة نقية دون حجاب من الحبيب (صلى الله عليه وسلم).


وتدبر
قول عتبة، وكيف بدأ بالضرب علي وتر العلاقة السابقة، ورابط صلة الرحم: "يا
ابن أخي إنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة، والمكانة في النسب، وإنك
أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم
ودينهم، وكفّرت به من مضي من آبائهم، فاسمع مني، أعرض عليك أمورًا، ننظر
فيها لعلك تقبل منها بعضها".


وهو
الملمح الذي يدعو أصحاب التيار الإسلامي إلي أن يدركوا المغزي البعيد
لكلمة (صاحبه) التي تكررت في سياق قصة صاحب الجنتين، و(يا ابن أخي)، التي
تكررت في خطاب عتبة، فيكونوا من أنصار تجسير العلاقات، واستغلال العقلاء من
معتدلي التيار المادي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد في حركة التقارب
وتنقية الآراء، ويقطع السبيل علي بعض الفصائل داخل التيار العلماني، التي
تنتهج النزعات الاستقصائية للآخر خاصة الإسلاميين.


فالجسور التي تمتد بين قمم الجبال، هي المعبر والسبيل الذي يتجاوز به خطر الهلكة في أودية الخلاف والقطيعة.

الركيزة الخامسة - تبني قضية الآخر:

وهي
ركيزة ترتبط بالركيزتين السابقتين؛ فإذا كانت الأولي تقر مبدأ حق الآخر في
الحوار، والثانية تقر مبدأ التجسير، فإن هذه الركيزة تقر مبدأ حق الآخر في
الوجود.


وهذا من شأنه أن يقف ضد التيارات الاستئصالية للآخر، والتي من أغلب ضحاياها أبناء التيار الإسلامي!.

وتدبر
ما ورد في قصة صاحب الجنتين؛ وكيف عرض الرجل الكافر رأيه في حرية تامة،
وفي إسهاب ملحوظ، وتطاول فيه علي كل شيء بما فيه ثوابت الرجل المؤمن،
وعقيدته، ولم يقاطعه الرجل المؤمن.


وهي صورة تشي بمدي أدب صاحبه المؤمن، وإيمانه بحرية الحوار، وسماع الرأي الآخر، إلي أبعد مدي.

وتدبر
ما قاله الحبيب (صلى الله عليه وسلم) لعتبة بن ربيعة في بداية الحوار: "قل
يا أبا الوليد أسمع". ثم قال له بعد أن فرغ من عروضه: "أفرغت يا أبا
الوليد?". قال: نعم. قال: "فاستمع مني". قال: أفعل.


وفي
هذا الرد الكافي علي المرجفين في مدينة الفكر والإعلام، واتهاماتهم بأن
التيار الديني، أُحادي التوجه، وخَطّي المنهجية، فلا يقبل النقد، ولا يقبل
الآخر، وأنه يستغل القنوات (الديموقراطية) من أجل الوصول، ثم بعد ذلك
سيتعامل من منظور يقيد التعددية، وينحي المنحي (الأتوقراطي) الاستبدادي
الإرغامي!.


وعندما
جلس الرجل المؤمن، يستمع لصاحبه، دون مقاطعة، ـ وكذلك (صلى الله عليه
وسلم) دليل علي قبول التيار الديني بمبدأ الحوار، والتعايش مع الآخر.


وهذا ما نلمحه من تكرار كلمة (صاحبه)، وكذلك في رحابة صدره (صلى الله عليه وسلم) وتكنية عتبة بما يحب: يا أبا الوليد.

وقضية
قبول الآخر، من القضايا التي يجب أن يرفع لواءها التيار الديني؛ لأنها
إحدي علامات سعة المنهج، ومرونة الشريعة، وكذلك من علامات نضج حاملي هذا
المنهج، وثقتهم في سمو وعلو فكرتهم التي يدعون إليها، وهي أيضًا دلالة
بارزة علي سعة أفق دعاة مشروعه الحضاري.


وإذا
كان لهذه القضايا أهميتها في الماضي، فإن هذه الأهمية تتضاعف في حلقة
الصراع، والتدافع الحضاري المعاصرة، أمام تيارات ومشاريع مناوئة يلقي
حامليها بالتهم جزافًا علي حاملي المشروع الحضاري الإسلامي، ويتهمونهم
بالجمود والتحجر، وأُحادية النظرة، وعدم قبول الآخر.


وهذه
القضية ترتبط بقضية أخري يجب أن يتبناها التيار الديني، داخلياً؛ ألا وهي
قضية تعدد الصواب، وهي نفس قضية مشروعية الاجتهاد في الفروع، وضرورة وقوع
الخلاف فيها، واعتبار كل من المتخالفين معذورًا ومثابًا؛ وذلك كما نراه في
الواقعة المشهورة عندما عاد الحبيب (صلى الله عليه وسلم) من غزوة الخندق،
ووضع السلاح، واغتسل، فأتاه جبريل (عليه السلام) بالأمر الإلهي بغزو يهود
لغدرهم بالعهود، فقال: "قد وضعت السلاح?!. فقال جبريل: والله ما وضعناه،
فاخرج إليهم، قال: فإلي أين?. قال: ههنا، وأشار إلي بني قريظة، فخرج النبي
(صلى الله عليه وسلم) إليهم"(24)، ثم نادي (صلى الله عليه وسلم) في
المسلمين: "ألا لا يصلينَّ أحد العصر، إلا في بني قريظة. فسار الناس، فأدرك
بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتي نأتيها، وقال بعضهم: بل
نصلي، ولم يرِدْ منا ذلك. فذكروا ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعنف
أحداً منهم".


فتدبر موقفه ـ صلي الله عليه وسلم ـ من المتخالفين، وإقراره بجواز صحة كل منهما.

وهناك
قضية أخري، تأتي المناسبة للحديث عنها؛ وهي قضية، أو فكرة التعددية، وخاصة
الجانب الأهم منها وهو التعددية السياسية؛ لأنها قضية الساعة، وموضع القدح
والنقد من قِبَل الطاعنين في المشروع الإسلامي.


والتعددية
تعني في جوهرها: التسليم بالاختلاف الذي لا يسع عاقلاً إنكاره، والتسليم
به حقًا للمختلفين لا يملك أحد أو سلطة حرمانهم منه.


والتعددية
السياسية، تشير إلي عناصر تنظيم الكيان السياسي بما يمكن التوجهات
السياسية والفكرية المختلفة من الحفاظ علي أطروحاتها الخاصة بها، وحقها في
المشاركة في العملية السياسية بفعالية، وكذلك حقها في إنشاء مؤسساتها ومنظماتها الخاصة لتحقيق أهدافها المنشودة.


وللدكتور
يوسف القرضاوي، ـ وهو من أعلام التيار الديني ودعاة المشروع الحضاري
الإسلامي ـ شعار رائع يدلل علي أهمية التعددية السياسية، من باب مشروعية
التعددية الفقهية، فيقول: "المذاهب أحزاب في الفقه، كما أن الأحزاب مذاهب
في السياسة".


وللدكتور
عبد الغفار عزيز، رأي في رسالة دكتوراه بعنوان: (الدعوة والدولة في صدر
الإسلام) حول تاريخ التعددية السياسية، يري فيه أن الرسول (صلى الله عليه
وسلم) كان زعيمًا لمعارضة نظام الحكم في مكة.


كما أنه (صلى الله عليه وسلم) قد سمح بها، وفتح مناقشة آراء المعارضة في بدر وأحد، وحصار المدينة، وغزوة الخندق. وكان بلال (رضي الله عنه) زعيمًا
من زعماء المعارضة في عهد عمر (رضي الله عنه)، وكان له أتباع وأعوان من
بعض كبار الصحابة (رضوان الله عليهم) مثل: عبد الرحمن بن عوف (رضي الله
عنه) وكان الفاروق (رضي الله عنه) لا يستطيع شيئًا مع الرأي الآخر إلا أن
يقول: "اللهم اكفني بلالاً وأصحابه".


ومن الأهمية بمكان أن نورد رأي الحركة الإسلامية المعاصرة، حتي يتبين لنا أطروحاتها حول هذه القضية؛ ولقد ورد فيه:

"لذا
فإننا نؤمن بتعدد الأحزاب في المجتمع الإسلامي، وأنه لا حاجة لأن تضع
السلطة قيودًا من جانبها علي تكوين ونشاط الجماعات، أو الأحزاب السياسية،
وإنما يترك لكل فئة أن تعلن ما تدعو إليه، وتوضح منهجها، وما دامت الشريعة
الإسلامية هي الدستور الأسمي.


كما
أننا نري أن قبول تعدد الأحزاب في المجتمع الإسلامي علي النحو الذي
أسلفنا، يتضمن قبول تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية، وذلك عن
طريق انتخابات دورية"
. وبعد
فإن الحديث عن تلك القضايا، والتنويه عنها يأتي في موضعه، فإذا تبناها
التيار الديني المعاصر، ودعاة المشروع الحضاري الإسلامي، فإنما فيه الدلالة
علي مدي سعة ومرونة الشريعة، ورحابة الفكرة، التي يقوم عليها مشروعهم، وفي
نفس الوقت يتبين الفرق بينه وبين المشاريع الأخري، القائمة علي الأفكار
الاستئصالية لحرية الآخر، فلا يسمح له ولو بصحيفة يعلن فيها عن رأيه، والتي
تقوم أيضًا علي النزعة الاستقصائية لوجود الآخر، فلا يسمح إلا لوجود من
يدور في فلكهم.


الركيزة السادسة - الثبات علي المبدأ:

وهي الركيزة التي تبين أصالة الفكرة، وقوة تجذرها.

وتثبت أيضًا، عمق الالتزام بالثوابت، وفقه المرونة بحسن التعامل مع المتغيرات.

وهي التي توضح لرجل الشارع العادي؛ الفرق بين الثابت علي الفكرة، والمتلون الذي يصطبغ بصبغة كل عصر.

فالثبات
هو المنارة التي يؤوب إليها كل شارد، ويهتدي علي نورها كل باحث عن الحقيقة
في أسواق المبادئ والأفكار، وقد جلب بعضهم بضاعات مزجاة استوردوها من فتات
موائد الغرب والشرق!.


وتدبر
قصة صاحب الجنتين؛ كيف بادر الرجل الكافر بالحوار، وهو الملمح الذي نستشعر
معه أن صاحبه الرجل المؤمن، كان ثابتًا علي أفكاره، واثقًا من طريقه، وهو
الأمر الذي أثار حفيظة الرجل الكافر، فأراد أن يلفت نظره إلي ملكه الواسع،
لعله يتراجع عما يحمله من آراء.


وأمر الثبات علي المبدأ بدا واضحًا، في خطاب الرجل المؤمن، عندما قال: {لَّكنَّا هو اللهُ ربي ولا أُشْرِكُ بربي أحداً}.

وتدبر
هذا الموقف: (أن عتبة بن ربيعة ـ وكان سيداً ـ قال يومًا وهو جالس في نادي
قريش ـ ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس في المسجد وحده: يا معشر
قريش، ألا أقوم إلي محمد، فأكلمه، وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها،
فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا?. وذلك حين أسلم حمزة (رضي الله عنه) ورأوا أن
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يزيدون ويكثرون ـ فقالوا: بلي يا أبا
الوليد فقم إليه فكلمه).


وتأمل قوله (صلى الله عليه وسلم) في نهاية المقابلة، رافضًا عروض عتبة: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك".

إنه
الثبات علي الحق والتمسك بالفكرة، فقريش تجلس كلها في ناديها، ويجلس
الداعية وحده، ورغم ذلك يشعرهم بقوة التحدي والثبات، وهو الأمر الذي نتج
عنه خلخلة الصف المعادي، مما أدي إلي بروز بعض الأصوات العاقلة داخل معسكر
الكفر، والتي تؤمن بمبدأ الحوار والتفاوض، وحق الآخر في الوجود، وفي
التعبير عن رأيه.


إذن
فثبات أبناء التيار الديني، هو الصخرة التي تتحطم عليها أمواج التيار
المادي العاتية، فتذهب جفاءً، ويبقي الحق شامخًا، لينفع الناس، ويعمر
الأرض: {فأمَّا الزبدُ فيذهبُ جُفاءً، وأمَّا ما ينفعُ الناسَ فيمكُثُ في
الأرضِ}.


وهذا
الثبات؛ إذا اعتبرناه علامة الثقة في الطريق؛ من حيث الفكرة والوسيلة
والغاية، فإنه لا ينفي المرونة الحركية، والسعة الفكرية، عند قبول الحوار،
وشجاعة المشاركة في عملية التدافع الفكري الآرائي؛ لأنه يقي أبناء التيار
الديني من بعض الإصابات التي أصابت العمل الإسلامي في مقتل، وأهمها ذلك
الفكر الذي جاء إفرازًا لِمَا تعرضت له الحركة الإسلامية "من أزمات، ومحن،
ومطارادات، مما يمكن أن نطلق عليه: فكر المواجهة، أو فكر الأزمة؛ الذي جاء
ثمرة لظرف وزمن معينين. وقد لا تكون المشكلة في فكر الأزمة، لأنه استجابة
طبيعية للمواجهة، لكن المشكلة في العقلية التي حاولت تعميمه، وتخليده علي
الزمن. ووقعت في أزمة الفكر، وعدم القدرة علي الإنتاج الفكري الملائم
والمطلوب للمرحلة، وبذلك نشأ كثير من الأفراد، نشأة غير سوية، نتيجة
التربية غير السوية، وبسبب الهواجس الأمنية، وهواجس المواجهة، فأصبحت
تستدعي المواجهة، وتفترضها، وتعتبرها الأصل الدائم، بل ومقياس الصواب في
العمل. لقد افتقدت الحرية في الفكر، والحركة، والممارسة، واصطحب كل فرد
سجّانه، ومراقبه الأمني داخله، حتي أصبحت فترات الحوار والاسترخاء هي
الاستثناء، وفرصة للاستعداد لجولة جديدة!?"
.

الركيزة السابعة - فعل الخير:

وهي ركيزة، تفتح الأبواب الموصدة أمام الفكرة؛ وذلك من خلال فتح القلوب، ومعالجة النفوس التي تحب فعل الخير إليها.

فهي تقوم علي فقه استعباد قلوب الناس.

وتلك ركيزة يستشعرها أبناء التيار الإسلامي؛ من باب مسؤوليته، وتمثيله لتيار جاء ليحمل الخير للبشرية التعيسة الرافضة الجامحة.

ومن باب تلك العاطفة الجياشة التي يحملها دعاة التيار الديني، دومًا في كل عصر، وفي كل موقف، حتي لمخالفيهم.

ذلك التيار الذي يحمل شعارًا؛ وأمرًا ربانيا، لبث الخير أينما حل: "وافعلوا الخيرَ لعلكم تُفلِحونَ}.

وهذا
التيار هو طليعة أمة، اكتسبت خيريتها من الخروج إلي الناس، كل الناس،
لتقودهم، إلي خَيرَي الدنيا والآخرة،؛ أمرًا بالمعروف، ونهيا عن المنكر،
منطلقة من قاعدتها الإيمانية، ولتكون شهيدة عليهم: {كنتم خَيرَ أُمةٍ
أُخْرِجَتْ للناسِ تأمرون بالمعروفِ وتنهوْن عن المنكرِ وتؤمنون باللهِ}.


وصفة
حب الخير وحب فعله، قد اكتسبها وتربي عليها كل من أقر بأن قائده وزعيمه
(صلى الله عليه وسلم)؛ الذي وصفه الحق سبحانه؛ بأنه منهم، وأنه حريصٌ
عليهم، وأنه رءوفٌ ورحيمٌ بهم: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسِكُم عزيزٌ عليه ما
عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيمٌ}.


وتدبر
ما ورد في قصة صاحب الجنتين؛ عندما نتأمل الرجل المؤمن في حواره، وعرض
أفكاره، ونقف عند نقطة مهمة؛ جاءت علي لسانه، والحوار في مرحلة ساخنة؛ وهي
نصيحته المشفقة: {ولولا إذ دخلْتَ جنتكَ قلتَ ما شاء اللهُ لا قوةَ إلا
باللهِ}، لقد أرشد الرجل المؤمن صاحبه الكافر، وهو يحاوره إلي التصرف
اللائق الصحيح، الذي يشكر فيه ربه، ويعمل علي دوام نعمة الله عليه. وطالبه
بأن يلجأ إلي الله، وأن يعلِّق الأمر علي مشيئته، ويجعله مرهونًا بقدرته،
وأن يستمد قوته من قوة الله (سبحانه).


وتأمل
هذا السلوك الفريد، وكيف أن الرجل المؤمن قد راعي حق الصحبة ولو مع
الكافر، ولم يشعر بالصَغَار أمام ملكه الواسع، بل أعلن لصاحبه في اعتزاز
وإيمان، تلك النصيحة الراقية، الخالصة المخلصة، في كيفية الشكر، وكيفية حفظ
نعم الله?!.


وتذكر
فقط مغزي تلك النصيحة المشفقة، التي جاءت في سياق الآيات التي تلاها (صلى
الله عليه وسلم) أمام عتبة: {قل إنما أنا بشرٌ مثْلُكُم يوحَي إلي أنما
إلَهُكُم إلهٌ واحدٌ فاستقيموا إليهِ واستغْفِرُوهُ}.


لقد
أعلن (صلى الله عليه وسلم) أنه منهم، ولكن الفرق أو تميزه عنهم؛ هو أنه
رائد أهله؛ رائدٌ يحمل رسالة ربانية، تدعوهم إلي توحيده سبحانه، ثم تأخذ
بيدهم إلي الاستقامة والهداية.


لذا فإننا لا نستغرب سلوك الرجل المؤمن مع صاحبه.

وكذلك
نتذكر ما ورد في قصة الغلام والراهب. وكيف أنه وبعد أن استقر الإيمان في
قلبه، بدأ بالاختلاط والخروج إلي الناس، وقدم إليهم الخير والخدمات الجليلة
وفي هذا رد علي الذين يزعمون أن فعل الخير لا يجدي في الدعوة إلي الله،
وأن علي المسلمين إقامة الحكم الإسلامي، أما شغل النفس بإطعام الجائع،
وكسوة العاري، وبناء المساجد والمستشفيات، فإنه مضيعة للوقت، وهذا الحديث
يرد عليهم، فقد أجري الله علي يد الغلام إبراء الأكمه، وشفاء الأبرص،
وغيرها من الأمراض، مما جعل الناس يتعلقون به، ويقبلون علي دعوته.


وكذلك
لا نعجب لسلوك رواد التيار الديني المعاصر مع قومهم، خاصة مخالفيهم، وذلك
لأنهم يستمدون فكرتهم وعاطفتهم من معين واحد، ومن منطلق واحد، ويكفينا في
هذا المقام، أن نورد مجرد عينة من خطابهم، حيث يقولون في إحدي أدبياتهم:


"ونحب
كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلي هذه النفوس
أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم،
وكرامتهم، ودينهم، وآمالهم إن كان فيها الغناء.


وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا).

الركيزة الثامنة - الاهتمام بدور الأدب:

وهو
الجناح المهم من أجنحة الآلة الإعلامية، التي تهدف إلي مخاطبة العقل
الباطن للأمم، دون ضجيج، فتتشكل به العقليات علي المدي القريب والبعيد.


وهنالك
قاعدة أبدية مطردة، وسنة اجتماعية ثابتة؛ وهي أن: أدبيات كل عصر ما هي إلا
مرآة صادقة للحقبة الزمانية والمكانية، التي تصدر عنها.


ومن هنا يبرز دور الأدب، ويبدو أهمية المحافظة علي قيمته الأخلاقية، والثقافية كعنوان للمرحلة التي تعيشها الأمة.

بل
إن دوره يتعدي ذلك ليصبح عاملاً خطيرًا، في عملية التغيير الحضاري؛ وتأمل
ما سطره شهيد اليمن القاضي الشاعر محمد محمود الزبيري: "كنت أحس إحساسًا
أسطوريا بأني قادر بالأدب وحده علي أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم
والطغيان"
.

ولو
تصفحت ملفات الأدب المصري، وبالتالي تابعه الأمين الأدب العربي عمومًا، في
حقبة الستينيات من هذا القرن، وهي مرحلة عنفوان الحقبة الناصرية، لوجدت
علي صفحة مرآته، تبدو صورة سافرة ل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://albraaonline.mam9.com/t1649-topic https://albraaonline.mam9.com
 
من ركائز العمل العام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من ركائز العمل العام
» عليك من العمل ما تطيق.
» ماذا تريد ان تكون في العام القادم
» مهلبية اللوز - حلاوة الشمسية المقادير وطريقة العمل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات براء أونلاين :: الفئة الرئيسية :: أسلاميات-
انتقل الى: