لغز بريكلانس
لعدة
أيام مضت , لم أفكر في صديقي كيليفون الذي لا زال يفكر في حل لغز بريكلانس
. حاولت عدة مرات أن أساعده لكنني كالعادة لم أفده بشيء . لقد كان المجرم
في هذه الجريمة ذو ذكاء كبير جداً . فقد كانت الجريمة مرتكبة على أساس أنه
لا يبقى أي دليل لرجال الشرطة الذيـن لا زالـوا يـحاولون حل هذا اللغز
الصعب .
كان
السيد بريكلانس يجلس على كرسي بني مقابل باب الحجرة . وكانت عينه اليمنى
مغلقة ‘ أما العين اليسرى فهي مفتوحة . وهذا الشيء حير رجال الشرطة كثيراً ‘
كما أنه حير صديقي المبدع جيرمون كيليفون . لكنني واثق بأن صديقي كيليفون
سيحل لغز هذه الجريمة وسيخرج منتصراً كعادته .
دخلت
غرفة صديقي ووجدته جالس على أريكة مائلة قليلاً إلى اليسار . سألته بعد أن
جلست على أريكة بجانبه : " صديقي ‘ ألم تتوصل لشيء ؟ "
أجابني ووجهه محمر قليلاً : " توصلت إلى أشياء بسيطة جداً , لكنني واثق أنني سأصل إلى المجرم بعد فترة وجيزة . "
" حسناً ‘ وما الشيء الذي توصلت إليه ؟ "
" اسمعني ‘ لقد قتل السيد بريكلانس في غرفته ‘ وكانت عينه اليسرى مفتوحة وهذا على عكس عينه اليمنى التي كانت مغلقة . على ماذا يدلنا هذا ؟ "
" لا أعلم . "
" لأنك لا تعرف شيئاً في عالم الجرائم . "
أغضبني هذا فقلت : " وعلى أي شيء يدلك هذا يا عبقري ؟ "
" أن السيد بريكلانس كان ذا عين واحدة فقط . "
" وما أدراك أنه أعمى ؟ "
" أنت حقاً غبي ‘ من قال أنه أعمى ؟ لقد قلت أنه لا يستطيع أن يرى سوى بالعين اليسرى . "
" حتى لو كان كلامك صحيح , فما شأن هذا باللغز ؟ "
" المجرم كان يقف على يمين القتيل ‘ لذا لم يره ولم يتعرف عليه . "
" أنت محق ‘ لكن أيضاً ‘ ما شأن هذا بالحل ؟ "
" يجب أن يكون تركيزنا عندما نبحث عن الحل في الجهة اليسرى . "
" آه ‘ ههذا صحيح . هل ستذهب إلى حجرة القتيل مرة أخرى ؟ "
" أجل ‘ سأذهب غداً في السابعة صباحاً . "
" وهل بإمنكاني أن أذهب معك ؟ "
" هذا مؤكد يا صديقي . أنا واثق ‘ بل ومتأكد أنني لن أتمنك من حل لغز الجريمة دون مساعدتك . "
كنت
أعلم أنه فقط يجاملني . لكنني ابتسمت وخرجت من الغرفة متوجهاً إلى منزلي
في القرية . وعندما دخلت تناولت طعام العشاء مع ابن أختي براون ‘ وأخيراً
ذهبت إلى غرفتي واستلقيت على السرير فنمت إلى اليوم التالي .
رن
جرس ساعتي في السادسة والنصف . فاستيقظت وغسلت وجهي ثم قمت بتنظيف أسناني
مثل أي يوم آخر . أخذت معطفي الأسود وارتديته ثم خرجت من البيت ... قابلت
صديقي كيليفون عند باب بيته فصافحته ثم مشينا معاً قاصدين بيت السيد
بريكلانس القتيل .
وصلنا
البيت في تمام الساعة السابعة وثمانية دقائق ‘ كانت المسافة بين بيت
كـيـليفون وبيت بريكلانس قصيرة جداً ؛ وهذا لأن كيليفون يسكن في طرف القرية
.
دخلنا
مسرح الجريمة الذي أرعبني عندما نظرت إليه أول نظرة . اقتربت من الضحية
فوجدت سكيناً مغروساً في رقبته من الجهة اليمنى ؛ وهذا لكيلا يرى الضحية من
هو قاتله ‘ أو حتى لكيلا يجد فرصة للصراخ وجعل الآخرين يعرفون أن الضحية
في خطر . كنت أدقق النظر إلى السكين المغروس في الرقبة . لقد لفت انتباهي
كثيراً ؛ لقد كان من طراز قديم جداً ‘ وبدا لي أنه مسروق من أحد المتاحف.
لم
أكن أنظر لشيء غير السكين القديم ‘ لكن صديقي كيليفون كان يبحث عن أي دليل
في الجهة اليمنى للقتيل . مضت حوالي عشر دقائق ونحن ندقق النظر إلى الضحية
. وأخيراً قفز كيليفون وقال : " جيمس ‘ أنظر ماذا وجدت هنا . " اقتربت منه
ونظرت إلى حيث كان يشير بسبابته . كان هناك قطرات ماء قليلة جداً . نظرت
إليها ثم نظرت للمحقق كيليفون بتعجب . قلت : " أوه يا كيليفون ‘ كنت أعتقد
أنك جاد في كلامك ‘ لقد حسبتك وجدت شيئاً حقيقياً . " كنت محقاً في كلامي ‘
فمن المستحيل أن يكمن حل اللغز في قطرات ماء .
" يا عزيزي ‘ كثيراً ما نعتقد أن الشيء لن يفيد أبداً ‘ ولكن في النهاية نجد أن هذا الشيء البسيط أوصلنا للحل . "
" حسناً ‘ سنرى إن كنت محقاً في كلامك . "
كانت
قطرات الماء تحت كرسي القتيل ‘ وتبعد عن نظرنا حوالي ثلاثة عشرة سنتيمترا .
عاد كيليفون بنظره مرة أخرى للقطرات ‘ ثم نظر إلي وقال : " جيـمـس
ألا تلاحظ أن درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" نعم ‘ إنها مرتفعة جداً . "
عاد كيليفون إلى التفكير مجدداً . بينما بقيت جالساً على أريكة أقضم أظافري .
قال
كيليفون بعد دقيقة : " جيمس ‘ نحن نتحرى حول جريمة قتل ‘ وعلينا أن نتوصل
إلى القاتل الحقيقي . لقد تم الإمساك بالسيد بينشي . وأنا واثق من أنه لم
يقتل السيد بريكلانس . علينا أن نبعده عن حبل المشنقة . "
" سأقدم كل ما بوسعي من أجلك يا صديقي . "
" سأذهب الآن إلى مركز الشرطة لأقابل السيد بينشي . "
" هيا بنا يا كيليفون . علينا ألا نضيع الوقت . فربما تساهلنا وتأخرنا ‘ ولم نتوصل إلى الحل إلا بعد فوات الأوان . "
خرجنا
من البيت بعد أن أغلقنا الغرفة ولم نحرك شيئاً . وصلنا المركز ونحن
متحمسين كثيراً . طلبنا من السيد مانسيني وهو رئيس المركز أن نقابل المتهم
فوافق وأدخلنا إليه بسرعة . كان وجهه شاحباً جداً ‘ وكان يبكي خوفاً منا
لأنه ظن أننا سنأخذه إلى حبل المشتقة ‘ ولكننا كنا علـى العـكـس تـمـامـاً .
نـحـاول إنـقـاذه ..
قال كيليفون : " سيد بينشي ‘ أريد أن تحدثني بكل صراحة . فأنا أحاول إنقاذك .
هل قتلت السيد بريكلانس ؟ "
أجابه
بنبرة بكاء غريبة : " لا ‘ أقسم بالله أنني لم أقتله يا سيدي . لقد
اتهموني بقتله لأنني الرجل الوحيد الذي كنت معه في البيت ليلة موته . أنا
بري صدقني . "
" حسناً . أنا أصدقك ‘ لكن أريد أن أوجه إليك بعض الأسئلة ‘ وكما اتفقنا أريدك أن تجيبني بكل صراحة . "
" تفضل سيدي . "
" متى تعتقد أن السيد بريكلانس فارق الحياة ؟ "
"
أنا متأكد من أنه توفي بعد أن خرجت ميني بريكلانس من البيت . وهذا يعني
أنه توفي في الساعة الثامنة أو الثامنة والثلاث دقائق مساءً . "
" هذا جميل . لقد خرجت ميني بريكلانس في الثامنة وتوفي والدها بعد دقائق من موعد خروجها . حسناً ، هل دخلت غرفة سيدك قبل موته ؟ "
" أجل ، وقد لفت انتباهي عامود أسود كان متصل بسقف الغرفة ، وكانت تسقط منه قطرات ماء . "
صرخ كيليفون : " هل كانت هناك سكين في أعلى العامود ؟ "
" لا ، أنا واثق أنني لم أشاهد سكيناً . "
" أوه ، لو أنك وجدت سكيناً لتعرفت على القاتل بسهولة . "
" هل لديك أسئلة أخرى يا سيدي ؟ "
" أجل ، عندما دخلت الغرفة ، هل كانت درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" آه ، أجل ، لقد كانت مرتفعة جداً ؟ "
" متى دخلت الغرفة ؟ "
" قبل مغادرة ميني بريكلانس للبيت بنصف ساعة . "
" حسناً ، شكراً لك يا سيد بينشي . أعدك بأن أخرجك من هنا بعد ربع ساعة . "
" شكراً لك يا سيدي ، أنا ممتن لك يا ـ "
" أوه ، نسيت أن أعرفك ، أنا السيد جيرمون كيليفون ، وأنا رجل تحريات خاص . إلى اللقاء ، أنا مستعجل . "
خرج
كيليفون وتبعته وأنا لا أفهم شيئاً . هل توصل إلى القاتل بهذه السرعة ؟ أم
أنه يـريـد أن يـجـرب شـيـئـاً مـن الأشـيــاء الـي تدور في رأسه ؟ أتمنى
أن أعرف قريباً
ما يفكر به .... مشينا بسرعة إلى بيت السيد بريكلانس . سألت كيليفون وأنا أمشي معه : " ماذا تريد أن تفعل يا جيرمون ؟ "
أجابني بسرعة : " سأصل إلى القاتل يا صديقي . "
لم أوجه إليه أي أسئلة أخرى ، بل تابعت المشي خلفه بسرعة .
وصلنا
بيت السيد بريكلانس ودخلنا مسرح الجريمة . بدأ كيليفون يحدق بسقف الغرفة
بحثاً عن تلك العصا أو العامود الذي أخبرنا عنه السيد بينشي . وأخيراً قال
وهو لا يزال يحدق بالسقف : " جيمس ، أنظر هناك ، إنها تبدو قاعدة للعصا
التي أخبرنا عنها بينشي . "
حدقت
إليها ، كانت هناك دائرة في قطعة سوداء مربعة بها دائرة صغيرة من الواضح
أن العصا كانت معلقة فيها . لكن ما الفائدة من وجود هذه القطعة السوداء؟
حولت نظري من الأعلى إلى الأسفل ، اقتربت من الجهة اليسرى للضحية
وبدأت أبحث عن أي أثر لتلك العصا . وفجأة ، وجدت العصا السوداء التي كانت
مخبأة تحت سرير السيد بريكلانس . صرخت بصوت مرتفع ثم قلت : " كيليفون ،
إنها العصا التي تبحث عنها . " ذهب إليها بسرعة وحاول سحبها من تحت السرير .
وبعد أن سحبها إلى الخارج وظهرت بكاملها أمام عيني . علمت أنني لن أستفيد
منها أي شيء . إنها مجرد عصا تحت سرير ، فلماذا فرحت وقمت بالصراخ .
قال كيليفون : " أنظر يا جيمس ، إن هذه العصا هي حل اللغز . "
" وكيف ؟ "
" أنا لم أتأكد لكنني سأتأكد غداً يا صديقي . أعذرني لأنني سأتأخر بعض الوقت . "
" لماذا ستتأكد غداً ؟ "
" لأنني أريد أن أقوم بتجربة ، وإذا نجحت سننجح في إخراج السيد بينشي من السجن وإنقاذه من حبل المشنقة . "
***
ذهبت
أنا وصديقي كيليفون إلى غرفة السيد بريكلانس , ولكن قبل أن ندخلها , أخذ
كيليفون جهاز قياس لحرارة الجو . ثم دخل الغرفة وشغل جهاز القياس . نظر إلي
وقال بحماسة : " إن درجة الحرارة هنا 61 درجة مئوية . "
" وماذا سيفيد هذا الشيء ؟ "
" ستعرف بعد التجربة يا صديقي . "
خرج
كيليفون من البيت وأسرع متوجهاً إلى بيته , وأنا لا أفعل شيئاً سوى اللحاق
به , دون أن أعرف ما الذي سيفعله . دخل بيته وفتح غرفة الاستقبال . كان
جهاز التبريد في هذه الغرفة مميز جداً , فقد كان بإمكانه أن يحدد درجة
الحرارة التي يريدها . ثبت درجة الحرارة على 61 درجة مئوية ثم توجه لمطبخ
بيته وأخذ قالب ثلج كبير جداً ووضعه على قاعدة في غرفة الاستقبال . وأخيراً
طلب مني أن أخرج وأغلق الباب والمصباح ... جلسنا في غرفة البلياردو نشاهد
ابن أختي وهو يستعرض مهاراته على الطاولة . لقد كان بارعاً جداً في اللعب .
قام كيليفون بمباراته ولكنه فشل في هزيمته . واكتفى بقوله : " إنك بارع
جداً يا براون , لكن أتمنى أن تكون رجل تحر مثل خالك في المستقبل . "
ضحكت وقلت له : " أوه يا كيليفون ، أنا لا أساوي شيئاً بالنسبة لرجال التحري . إنني فقط مجرد مساعد لرجل تحر خاص . "
مضت
نصف ساعة بعد أن وضعنا قالب الثلج ، فقام كيليفون من الأريكة فزعاً ودخل
غرفة الاستقبال , لكنه لم يجد من قالب الثلج سوى القليل من قطرات المياه .
فابتسم في وجهي وقال : " آه ، يا جيمس , لقد توصلت للقاتل أخيراً . "
قلت بتعجب : " من ؟ وكيف ؟ "
" سأشرح لك كل شيء الآن . "
" تفضل , ولكن أرجو أن تختصر كل شيء ببساطة . "
ضحك وقال : " لا تخف ، القصة أصلاً قصيرة . "
" حسناً ، فلتبدأ . "
لقد
كان القاتل بارعاً في التخطيط لجريمته البشعة . إنه ذكي جداً , ومن الواضح
أنه مخترع رائع . لقد أخبرنا السيد بينشي أنه رأى سيده آخر مرة على قيد
الحياة في الساعة السابعة والنصف , قبل موت بريكلانس بنصف ساعة , وهذا كان
صحيحاً بلا شك . دبر القاتل هذا الفخ للسيد بريكلانس الذي كان جالساً على
الكرسي قبل موته . وغرس السكين في عنقه وهو يجلس على الكرسي . ولكن عيناه
لم تكن مصابة , فقط كانت منذ زمن وهي هكذا , اليمنى أصبحت عمياء . وهذا لا
شأن له بالجريمة . كانت السكين معلقة في أعلى العصا
التي شاهدها بينشي عندما دخل الغرفة , وكان هناك قالب ثلج كبير لم يشاهده
السيد بينشي لأنه كان مخفي بطريقة احترافية . درجة الحرارة 61 درجة مئوية ,
وقالب الثلج سيذوب بعد نصف ساعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة . وبعد ذوبانه ,
ما الذي سيحصل ؟؟ سيسقط السكين بسرعة هائلة ويُغرس في عنق السيد بريكلانس .
إنها جريمة رائعة حقاً .
مباشرة
ستتوجه الاتهامات إلى السيد بينشي لأنه الرجل الوحيد المتواجد في البيت
أثناء موت الضحية . وبهذا سيتم القبض عليه وسجنه ومحاكمته وإعدامه ... "
قلت بغضب : " لكنني لم أعرف القاتل يا كيليفون . "
" بريكلانس . "
وقفت من مكاني وقلت وأنا مشدوه : " ماذا ؟ هل يمكن أن تكون الآنسة بيكلانس قتلت والدها ؟ "
" جيمس , لا تكن غبياً , السيد بريكلانس هو من قتل نفسه . "
" انتحر ؟ "
"
أجل , لقد كان يعاني من حياته المأساوية , ولم يكن يعرف ماذا يفعل كي يعيش
سعيداً . فقرر أن ينتحر ويورط السيد بينشي ليقضي عليه . ولكنه لم يكن يعلم
أن جيرمون كيليفون سيأتي ويحل لغز بريكلانس . "
" أنت عبقري يا كيليفون . مع أنني كالعادة لم أفهم شيئاً مما قلته . لكنني أعترف أنك عبقري . "
" جيمس , أتمنى أن تكون حذراً ومتيقظاً في القضايا القادمة . أنا متعجب لأنك لم تساعدني في هذه القضية . "
" لا تتعجب يا صديقي ؛ فأنا لم أساعدك لأنني لم أفهم شيئاً مما شرحت . "
انتهت ...