البراء جرجنازي الأوسمة
وسام الأدارة عدد المساهمات : 1910 نقاط : 5528 تاريخ التسجيل : 01/10/2010 العمر : 22 الموقع : حلب
| موضوع: رواية الطائرة المفقودة 6 الإثنين يوليو 18, 2011 3:31 pm | |
|
خيبت كازابلانكا احلام هيلاري كرافن، فقد بدت اشبه ببلدة فرنسية الطابع، ليس فيها شيء من نسمات الشرق السحريه التي كانت تهفو إليها . فأخذت تنظر من نافذة القطار إلى الاراضي المنبسطه امامها وهو منطلق عبر السهول ناحية الشمال. ولم يكن في المقصوره عداها إلا أربعة اشخاص ، فرنسي يجلس قبالتها وله طابع الوسطاء المتجولين، وراهبة منزويه في احد الأركان واصابعها تجري على مسبحتها ، وامرأتان مراكشيتان تتسامران في مرح وغبطه. وحين تناولت هيلاري سيجاره من علبتها سارع الفرنسي يشعلها لها ، وكان ذلك بداية وصلت الحديث بينهما. وقال لها الفرنسي فيما قال: - ينبغي يا سيدتي ان تزوري الرباط. إنها رائعه ومن الخطأ ان تفوتك مشاهدتها. فقالت: - سأحاول وإن لم يكن في الوقت متسع ثم اردفت وقد لاحت على شفتيها ابتسامه خفيفه: - وفضلا عن هذا فإن نقودي وشيكه على النفاذ. إنك تعلم انهم لا يسمحون لنا بأن نأخذ معنا إلى الخارج إلا القليل. فقال: - ولكن هذا امر سهل ياسيدتي ، يمكنك تدبيره مع اي صديق لك هنا. - اخشى اني لا اعرف احدا في مراكش. فقال في سماحه: - في رحلتك التاليه حسبك ان تبعثي إلي بكلمه صغيره فأدبر لك الأمر، وهاك بطاقتي .. إنني اسافر إلى انجلترا كثيرا فيمكنك ان توفيني هناك ما اعطيه لك .. - شكرا لك ياسيدي فإني افكر فعلا في ان ازور مراكش مرة اخرى. - لاشك انك وجدت مراكش مختلفه تماما عن انجلترا فجوها كريه ، شديد البرودة مغلف بالضباب. ثم استطرد : - لقد تركت باريس منذ ثلاثة اسابيع وكانت هي الأخرى غارقة في الضباب والأمطار ، اما هنا فالشمس دائما مشرقة رائعه .. وإن كان الجو باردا إلى حد ما .. كيف كانت حالة الجو عندما غادرت انجلترا ؟! فردت هيلاري: - ضباب خانق . - تماما تماما .. فهذا هو موسم الضباب .. وكيف كانت حالة الثلج ؟ الم يسقط عندكم هذا العام؟! تساءلت هيلاري في نفسها عما إذا كان هذا الفرنسي يتبع الأسلوب الانجليزي التقليدي فيدور حديثه عن الجو ، ام انه يهدف إلى شيء اخر حينما اشار إلى الثلج ؟! وهي الكلمة نفسها التي رددتها اوليف بيترتون قبيل ان تلفظ انفاسها الاخيره ؟! هل الثلج ، وقد رددها مرتين .. مجرد كلمة عارضه .. ام رمز خفي ؟! وتوقف بهم القطار اخيرا في فزان وقد هبط الليل ، وبادر الفرنسي يحمل عنها حقيبتها ، وسألها : - اذاهبه انت ياسيدتي إلى فندق ( قصر الجمال ؟!) - فردت ب: نعم . فاستطرد : - إنه يبعد عن المدينة ثمانية كيلومترات. فقالت في دهشه : - ثمانية كيلو مترات؟ إذن فهو في ضواحي المدينه. - إنه في الحي القديم ، اما انا فسأنزل في احد فنادق المدينه التجاريه الجديده ولكن على من ينشد الراحة والهدوء والاستجمام ان يهرع إلى قصر الجمال فقد كان هذا القصر مقاما لإحدى الاسرات المراكشيه النبيله ، ثم تحول إلى فندق وهو يتميز بحدائقه الواسعه الرائعه كما انه مجاور للحي القديم ذي الطابع الشرقي الخلاب . ثم اردف : - يبدو ان الفندق لم يوفد احد لاستقبالك فاسمحي لي ان استدعي لك تاكسيا . - شكرا لك يا سيدي . وتحدث الفرنسي بالعربيه مع احد الحمالين ، وشيعها حتى استقرت في السياره ثم قال لها : - إن بطاقتي معك يا سيدتي فإن احتجت شيئا فلا تترددي في الاتصال بي ، إني نازل في فندق جراند اوتيل.. ولن اسافر إلا بعد اربعة ايام. ورفع قبعته يحييها وانطلق بها التاكسي . وتناولت هيلاري بطاقة الفرنسي لتقرأ اسمه : ( هنري لورييه ) .. وانطلق بها التاكسي إلى ضواحي المدينه يشق الطرقات الريفيه ، وحاولت هيلاري النظر من النافذه ولكن الظلام كان سائدا يحول دونها وان تتبين معالم الطريق. فيما عدا بعض ابنيه متناثره كان الضوء يشع منها. وتزاحمت الخواطر في ذهنها وتدفقت واخذت تسائل نفسها: - ترى امن هنا تبدأ رحلتها إلى المصير المجهول ؟ وهل مسيو هنري لورييه عميل سري من عملاء المنظمه ؟! وهل يكون هو الذي اغرى توماس بيترتون بأن يتخلى عن عمله ويهجر زوجته ويرحل عن وطنه. ثم إلى اين يمضي بها هذا التاكسي؟! ولكن التاكسي مالبث ان توقف بها امام فندق قصر الجمال فانتزعها من دوامة خواطرها المتضاربه الصاخبه. نزلت من السياره ودخلت إلى الفندق تشق طريقها وسط جو شرقي اصيل فالثريات من النحاس المشغول والأرائك والوسائد بدلا من المقاعد متناثرة بألوانها الزاهيه البراقه والموائد في جميع الاركان وفوقها صواني القهوة والأقداح اما غرفتها فكانت مزوده بكل وسائل الراحة العصريه. ابدلت هيلاري كرافن ثيابها ونزلت إلى قاعة المائده لتناول العشاء وكان الطعام شهيا طيب المذاق. ودارت ببصرها في انحاء القاعه تستجلي وجوه الحاضرين وتنظر إلى الداخلين والخارجين. واسترعى نظرها كهل ذو لحية صغيره مدببه إذ كان الجرسونات جميعا يهرعون إليه مهرولين لأضأل إيماءه يبديها من رأسه أو اصبعه او حتى من حاجبه . فأخذت تسائل نفسها عمن يكون هذا الرجل ذو الشخصيه المرموقه. وإلى مائده اخرى وسط القاعه كان يجلس رجل الماني، كما كان هناك كهل تجالسه فتاه على غايه من الجمال تراءى لهيلاري انها لا بد ان تكون سويديه او هولنديه.. كما كانت هناك اسره انجليزيه معها طفلان ، وكذلك تناثرت حول الطاولات الاخرى جماعه من الامريكيين وثلاث من الاسرات الفرنسيه. وما إن فرغت هيلاري من العشاء حتى خرجت إلى الشرفة لتناول القهوه , وكان الجو باردا ، فسرعان مالاذت بمخدعها. وفي الصباح عادت إلى الشرفه والشمس تغمر الارض بالضوء واشعتها تبعث الدفء ، فاتخذت مكانها تحت مظله تقيها الحراره المتوهجه. وجاءت السويديه الشقراء فجلست إلى إحدى الطاولات واخذت تتثاءي في ضجر وملل وقد زمت مابين حاجبيها ثم اقبل رفيقها الكهل ، وتساءلت هيلاري عما إذا كان زوجها او ابوها. وحيته الفتاه في وجوم دون ان تبتسم ثم مالت إليه تحدثه في عصبيه ، وانكمش الرجل وبدا كمن يعتذر إليها. ثم اقبل الرجل ذو اللحيه المدببه واتخذ لنفسه مائده في اقصى الشرفه وهرول إليه الجرسون يكاد يركض ، فتلقى اوامره ثم انصرف مسرعا. ولمست السويديه الحسناء ذراع رفيقها واتجهت ببصرها ناحية الكهل الملتحي وغمغمت ببعض الكلمات. طلبت هيلاري كأسا من المارتيني وهمست تسأل الجرسون: - من يكون هذا الرجل الجالس في اقصى الشرفه؟! فأجاب الجرسون في زهو وخيلاء : - إنه مسيو اريستيد.. إنه ثري جدا .. من كبار اصحاب الملايين. وتطلعت هيلاري إلى الرجل .. هذا العجوز المنكمش على نفسه .. هذا المخلوق المغضن الوجه الذي يبدو اشبه بالمهرجين .. ألِأن خزائنه عامره بالمال يولونه كل هذا الاهتمام؟! ورفع الرجل رأسه وتلاقت نظراته بنظرات هيلاري برهه ... ثم مالبث ان اشاح عنها. ونهضت السويدية الحسناء ورفيقها ودخلا إلى المائده. ثم رجع الجرسون يحمل كأس المارتيني وقال لها وقد وضعه امامها على الطاوله: - هذا الشخص الذي مضى الآن إلى قاعة الطعام .. إنه قطب من اقطاب الصناعة في العالم ، وهو غني جدا .. والسيدة التي معه نجمه من نجوم السينما .. ويقولون عنها انها جريتا جاربو اخرى .. إنها انيقه جدا وجميله جدا .. ولكنها دائما تتشاحن معه .. لا شيء يعجبها هنا .. فقد كرهت فزان حيث لا توجد محال ، وهي تريد ان يذهب بها غدا إلى مكان اخر يبعث على التسليه. ثم اردف : - حتى الاغنياء لا ينعمون بالهدوء وراحة البال. وعند هذه الكلمات استدار الجرسون واسرع منصرفا ليلبي اشارة لأحد النزلاء. وجاء إلى الشرفه من البار شاب فرنسي وسيم فرمى هيلاري بنظره طويله ذات مغزى خفي كأنما يقول لها : - مالذي يدعوك للبقاء هنا؟! لم لا تتمشين قليلا في الحديقه؟! ثم هبط الدرج إلى الحديقة وهو يتمتم بمقطوعه من إحدى الأوبرات الفرنسيه منشدا: وكانت زهور اللورييه صفوفا طويله .. منتشيه تحلم احلاما جميله .. فأيقظت كلماته في نفس هيلاري ذكرى بعيده .. ذلك الفرنسي الذي التقت به في القطار وقدم إليها بطاقته ، اما كان يدعي لورييه ؟! وها هوذا هذا الفرنسي يردد الكلمة نفسها .. زهرة اللورييه.. فهل ثمة ارتباط بين الأمرين ام مجرد مصادفه ؟! وفتحت حقيبتها وتناولت البطاقه .. نعم .. إنه يدعى هنري لورييه .. وعنوانه رقم 3 شارع كرواسانت ، كازابلانكا .. وجعلت تقلب البطاقه بين يديها وهي ساهمه شارده . ثم فطنت إلى آثار كتابه متخلفه على ظهر البطاقه بعد ان محيت الكلمات . ورفعت البطاقه إلى عينيها في ضوء الشمس .. محاوله ان تتبين آثار اخرى مطموسه غير واضحه .. وأخيرا قرأت كلمة : دانتان ... ومضت تتساءل عما إذا كانت هذه الكلمات تنطوي على معنى خفي ..؟ ثم هزت كتفيها يائسه ونفضت الفكره من رأسها ودست البطاقه في حقيبتها. وسقط ظل على وجهها فرفعت رأسها مجفله . كان مستر اريستيد منتصبا على كثب منها وبين الشمس فوقع ظله على وجهها . بيد انه لم يكن ينظر إليها وإنما كان ينظر إلى التلال البعيده عبر الحديقه . وسمعتع يتنهد ثم يستدير فجأة متجها إلى قاعة الطعام فإذا بذراعه تصطدم بكأس المارتيني الموضوع على مائدتها فأطاح به إلى الارض وتهشم.. وتحول إبها المليونير اليوناني قائلا بالفرنسيه: - اه الف معذره يا سيدتي .. فتبسمت هيلاري في وجهه واكدت له ان الامر ليس بذي اهميه .. وتلبية لفرقعه خفيفه من اصبعيه جاء الجرسون مهرولا فأمره بأن يجلب للسيدة كأسا اخر ، ثم كرر اعتذاره ومضى إلى قاعة الطعام . وعاد الشاب الفرنسي من الحديقه وهو مايزال يترنم مغنيا وحين مر بجانب هيلاري تريث في مشيته عامدا . وإذ رأها لا تشجعه ولا تلقي إليه بالا هز كتفيه متفلسفا وتابع طريقه. وحمل إليها الجرسون شرابها فسألته هيلاري: - هل ينزل مستر اريستيد في الفندق وحده ام معه حاشيته؟ - إن الأثرياء من امثاله لا يسافرون وحدهم ابدا . إن معه وصيفه وسائق سيارته واثنان من السكرتاريه. وحين ذهبت هيلاري إلى قاعة الطعام رأت اليوناني منفردا إلى إحدى الموائد كما كان شأنه في الليلة السابقه وإلى مائدة قريبه كان يجلس شابان رجح لديها انهما السكرتيران إذ كانا لا يفتآن ينظران إلى المائده التي يجلس إليها مستر اريستيد. وانقضت الظهيره في سلام وهدوء وطاب لهيلاري ان تمضي معظم الوقت في الحديقه غارقه بأحلامها وخواطرها ، ناعمة بالجو الشذي والنسمات العطره التي تنساب حولها. واشرفت الشمس على المغيب وهبت نسمات بارده ارتعدت لها هيلاري ، فزايلت الحديقه إلى قاعة الجلوس فإذا بها تلتقي وجها لوجه بمسز كالفين بيكر . فقالت لها الامريكيه : - قد وصلت لتوي بالطائره من كازابلانكا ، فإني لا اطيق القطارات باهتزازها وتأرجحها فوق القضبان. ولم تدع لهيلاري فرصه للحديث وانما استطردت ، على الفور تقول: - وكيف حالك الآن ؟ لا بد انك زرت المدينه القديمه اليوم ؟! - الحق انني امضيت نهاري استمتع بالشمس. - اه .. فقد نسيت انك خارجه لتوك من المستشفى ، فلا بد بعد الارتجاج من الراحه والاستجمام ، وان ترقدي في غرفه معتمه معظم ساعات النهار ، ورويدا رويدا يمكن ان تعتادي على المشي والتجول ، وعندئذ سأدعوك إلى ان تصحبيني في بعض الرحلات ، لأني احب جعل ايامي حافله زاخره بالنشاط رغم مابلغت من العمر. فهنأتها هيلاري بوفرة حيويتها ونشاطها . واستطردت مسز بيكر: - اتذكرين السيده التي عرفتك بها في كازابلانكا ؟ مس هيذرنجتون ؟ إنها قادمه اليوم بالقطار إذ تؤثره على الطائره. واستمرت تقول مندفعه كالسيل الجارف : - لقد حجزوا لي غرفه لا تروقني ، ولكنهم وعدوا بتغييرها ، وسأذهب إليهم الآن لأرى ما اتخذوا في هذا الشأن. وانصرفت على الفور تمشي في نشاط لا يتفق وسنها. وعندما نزلت هيلاري إلى قاعة الطعام مساء ذلك اليوم كانت مس هيذرنجتون هي اول شخص وقع عليه بصرها. وبعد العشاء ، شربت السيدات الثلاث القهوة معا وتبادلن ملاحظات عابره عن نزلاء الفندق الذين كانوا متناثرين حول الطاولات يتناولون العشاء والأحداث مستمرة
| |
|